Оазисы жизни: автобиография: часть первая
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Жанры
وشعرت على الفور أن هناك خللا ما، فأحضرت الورق والقلم، وتأكد لي أن كلا من الشطرين ينتمي لبحر مختلف؛ الأول للخفيف والثاني للرمل! وكنت سأبدي هذه الملاحظة لولا أن والدي استمر في الغناء - وكان الشطر الثالث «أين روحي والورد في وجنتيك» وهو خفيف صريح، ولكن الذي راعني هو أن اللحن مسروق من عبد الوهاب: (والفراشات ملت الزهر لما .. حدثتها الأنسام عن شفتيك) - عندها تكلمت، فقال لي خالي: إن عبد الوهاب نفسه يسرق الألحان الغربية والشرقية! ولكن والدي قال إنه مقتبس، مع التعديل، فعدت أقول: ولكن المزج هنا واضح بين الرمل والخفيف! فضحك الجميع؛ فالمناسبة لم تكن تحتمل المناقشات العروضية.
بعد أيام صحوت مبكرا، وكنا في فبراير؛ لأرى الثلج يتساقط لأول مرة في حياتي، لم يكن البرد، بل كان الثلج الذي عرفته فيما بعد في أوروبا، وإن كان من حادثتهم فيه أسموه صقيعا. وكانت الجدران حافلة باللافتات الخاصة بالدعاية الانتخابية، وكان مرشح حزب الوفد (1950م) اسمه الحلواني، وكان شارع محرم بك يمتلئ أحيانا بأنصار ذلك المرشح، وهم يحملون على الأكتاف شخصا يصيح «حلاوته حلوة» فيردون عليه: «حلواني» [حالواني]، ثم يصيح «كبش وعطاني» فيردون: حالواني، وهكذا.
وسرعان ما ظهرت جريدة الأهرام وعنوان الصفحة الرئيسية يقول [خطأ]: الوفد يشكل وزارته السابعة، ثم صححها في اليوم التالي إلى «السادسة»! ولكن المدرسة كانت فيما يبدو غير مستريحة للنتائج؛ إذ كثرت المظاهرات، وكان الطلبة يترقبون في لهفة وصول أصوات الهتاف الصادرة عن مظاهرة كلية الهندسة، قائدة جميع المظاهرات، فيهب منهم من يهتف «يسقط الاستعمار!» أو «الجلاء التام أو الموت الزؤام!» ويردد الباقون خلفه ما يقول، وينسحب المدرس في هدوء إلى خارج الفصل، ثم يجري إلى غرفة الناظر للاحتماء، ومعنى هذا أن الإضراب عن الدراسة قد بدأ، وكنت حينذاك ألتحق بالجموع الخارجة، حتى نغادر باب المدرسة، ومن ثم أعود إلى المنزل.
وكان لدينا مدرس للتاريخ والجغرافيا اسمه «يوسف خليل» يتميز بجرأة غير معهودة في ذلك الوقت؛ إذ كان يتحدث بإسهاب عن «سوء توزيع الثروة»، وهذه هي ألفاظه نفسها، وعن استغلال الفلاحين، وكان كل درس سواء في التاريخ أو في الجغرافيا يؤدي إلى مناقشة مستفيضة حول ما كان يسميه ب «أحوال البلد »، وكيف أن العلاج لن يأتي برحيل الإنجليز، فالقاعدة البريطانية في قناة السويس مآلها التصفية خصوصا بعد اتجاه إنجلترا إلى تصفية قواعدها «شرقي السويس»؛ لأن خروجها من الهند أدى إلى تغيير كامل في شكل الإمبراطورية القديمة، أما العلاج الحقيقي في رأيه فكان يتمثل في استثمار طاقات أهل البلد بنشر التعليم والتصنيع وتطوير الأساليب الزراعية العتيقة لتنويع المحاصيل. كان كلام يوسف خليل ثوريا، ولكنه كان يقوله بثقة العالم لا بحماس الثائر، وكان يدعم كل ما يقوله بالأرقام والإحصاءات، وكان قصير الجسم نحيلا، صوته خفيض، ونبراته مطمئنة لا تنم عن الفوران الداخلي الذي كانت تتسم به خطابات السياسيين.
كنت أستمع إلى ما يقوله صامتا، خصوصا إلى التعبيرات الجديدة التي كنت أنقلها إلى المنزل فلا تلقى صدى عند أحد. كنت غريبا في المدرسة وبدأت أحس بالغربة في المنزل، ووجدتني لأول مرة أهتم بقراءة الصحف، فسمعت عن كلمنت أتلي، رئيس حزب العمال البريطاني الذي أتى إلى الحكم، وسمعت قول ونستون تشيرشيل زعيم حزب المحافظين إن بريطانيا ستجلو عن قاعدة قناة السويس؛ اكتفاء بقاعدة قبرص، وبدأت أسمع عن مشكلة السودان، وأقرأ عن وحدة وادي النيل، واستمعت يوما في الراديو إلى أغنية أم كلثوم التي كان أحمد شوقي قد كتبها تحية لخروج عدد من الشبان المصريين من السجن، والتي تبدأ بالغزل قبل أن تنتهي إلى الموضوع الرئيسي للقصيدة، أي تبدأ هكذا:
بأبي وروحي الناعمات الغيدا
الباسمات عن اليتيم نضيدا
ثم ينتهي إلى القول:
طلبوا الجلاء على الجهاد مثوبة
لم يطلبوا ثمن الجهاد زهيدا
Неизвестная страница