Оазисы жизни: автобиография: часть первая
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Жанры
وعندما أخبرت سمير قال: «يا سلام! حتتجوز لوحدك؟» ولم أفهم ما يعني ساعتها، ولكنني فهمت بعدها بأيام عندما جاءني متهللا وقال: «أنا خطبت أمينة صبري!» وكانت طالبة لدينا في السنة الثالثة، وهي الآن كبيرة مذيعات صوت العرب، وعلم من أعلام الفن الإذاعي في مصر، وكدت أن أقول له ولكن أمينة لا تستطيع الخروج معنا، ولكنني أحجمت! ورحب فاروق عبد الوهاب بهذه الأخبار، ولكنه قال إنه ما يزال يبحث عن الفتاة الضخمة، وكان يسميها «ذات العود السرح» أي الطويلة أساسا! وكان ما فتئ يقلب بصره فيمن حوله فلا يجد الطول المناسب، وإن كان قد وجده بعد ذلك بعدة سنوات.
وفي أكتوبر بدأ العام الدراسي وشاعت أنباء ارتباطنا أنا وسمير، وكان الأهم هو أن المسرح القومي سوف يقدم «الخال فانيا» من ترجمتي أنا وسمير، وكان المخرج رجلا روسيا يدعى لزلي بلاتون، واسمه الأول إنجليزي واسمه الثاني فرنسي (يعني أفلاطون) بمساعدة المخرج المصري كمال يس رحمه الله.
9
كان المشهد داخل قسم اللغة الإنجليزية يتغير بسرعة؛ إذ أصيب الدكتور محمد يس العيوطي الذي كان يدرس لنا الرواية والدراما بشلل نصفي، وكان الدكتور أمين روفائيل قد شارف على الستين (سن التقاعد) دون أن يحصل على درجة الأستاذية؛ إذ لم يكن قد انضم رسميا إلى أعضاء هيئة التدريس؛ ولذلك لم يكن من الجائز قانونا أن تنطبق عليه شروط الترقي، فكان يشغل وظيفة محاضر أول، وكان قد مضى على حصوله على الدكتوراه عشر سنوات، وكان الدكتور أمين رحمه الله فريدا في كل شيء؛ فهو لم يتزوج أبدا، وكان على إيمانه بالعلم وتفانيه فيه يسخر منه، وكان كثيرا ما يصطحبني بعد الدروس إلى مقهاه المفضل في شارع عماد الدين حيث نناقش الشعر الرومانسي، وكان يحاول قبل التأميم إقناعي بالعمل بالتجارة مع خالي (إذ كان صديقا حميما له) ثم أصبح يقول لي: «كنت أنصحك بما ثبت فشله، وأصدك عما تأكدت من عدم جدواه، فالآن لا أدري ماذا أقول لك!» وكان المقهى يقع على ناصية مقابلة لمكتب خالين في مواجهة سينما «كوزمو» القديمة، وعلى مبعدة خطوات من مسرح محمد فريد، وكثيرا ما كنت أراجع معه تجارب كتبه الرائعة في الشعر الإنجليزي، وهي المختارات التي انتقاها بصبر وعناية من تراث الشعر الإنجليزي الحافل، أو أراجع معه ترجماته لقصص جيمس جويس، ولا أعرف هل نشرت فيما بعد أم لا، وقد احترمت منتخباته من الشعر الإنجليزي - التي كانت تدر عليه دخلا متواضعا - حتى توفي، ولم أقدم على إعداد المختارات الجديدة أنا والدكتور ماهر شفيق فريد إلا بعد أن أذن لنا صاحب مكتبة الأنجلو، بعد أن تأكد له أنه لم يعد للدكتور أمين ورثة يمكنهم الإفادة من الدخل.
وكان لدينا بالقسم أستاذة صامتة ذات أسرار لا تكتنه؛ هي الدكتورة صفية ربيع، وكل ما كنت أعرفه عنها كان مستقى من خارج الجامعة، فكنت أعلم أنها زوجة الكاتب والناقد بدر الديب، وأنها ترجمت مسرحية لثورنتون وايلدر، وأخرى لشيكسبير في سلسلة ترجمات جامعة الدول العربية، وحينما عدت عام 1975م بلغني أنها استقالت.
وكان من المدرسين لدينا بالقسم (مدرسي اللغة) عدد كبير ممن انتدبهم رشاد رشدي من المدارس الثانوية، وكان بعضهم معينا والبعض الآخر منتدبا من الخارج، وكان أنجحهم أثناء فترة دراستي الأولى في الخمسينيات شاب رقيق مهذب هو محمود شكري مصطفى، الذي اشتهر فيما بعد باسم الدكتور شكري. وكان له أخ يعمل طبيبا في سلاح الطيران اسمه الدكتور رمزي، وفي عام 1963م عاد الدكتور شكري من أيرلندا بعد أن أتم كتابة الدكتوراه لكنه لم يحصل على الدرجة لسبب غريب ونادر؛ وهو أنه رسب في الامتحان الشفوي؛ وذلك أن امتنع تماما على الحديث مع أعضاء اللجنة، فلم يجب على أي سؤال ولم يقل أي شيء، وكان يجلس في القسم بعد عودته صامتا، وقيل لي إن لديه اكتئابا نتيجة تفانيه في الدراسة؛ إذ حبس نفسه أربع سنوات كاملة في غرفة في دبلن، يدخن ويقرأ ويشرب القهوة ويكتب، حتى أصابه ذلك المرض النفسي اللعين.
وسرعان ما اكتشف الدكتور سعد جمال الدين سر اكتئابه؛ فالدكتور سعد - إلى جانب ما ذاع عنه من إتقان لا يجارى ولا يبارى في اللغة الإنجليزية - «ابن بلد» من الطراز الأول، وهو ما يسميه العرب «ألمعي» (بالعامية المصرية «يفهمها وهي طايرة») ولوذعي نحرير! أما السبب فهو أن الدكتور شكري «يريد أن يتزوج»! وطلب مني الدكتور سعد أن أبحث الموضوع، فوعدته خيرا، واتضح أن سعد قد تولى فحص الحالة جيدا؛ ومن ثم وجدت الدكتور شكري يطرق بابي ذات يوم (في شارع الدري بالعجوزة) ليسأل عن زميلة لي ورحبت به وحادثته طويلا في غرفة الصالون المتواضعة، وأفهمته أن الفتاة التي يسأل عنها قد تزوجت منذ سنوات، وأن لديها غلاما يدعى طارق! فقال في حسرة: «آه! أم طارق طارت!» وضحكت مؤكدا له أن هناك كثيرات غيرها يمكنه الاقتران بهن، فذكر عدة أسماء - من بينهن أسماء زغلول التي توفيت في حادثة طائرة، ولم يكن بطبيعة الحال يعرف ذلك، وأخريات من الأفضل عدم ذكر أسمائهن.
ومع بداية عام 1964م وصلت أخبار مفرحة تفيد أن مجلس جامعة دبلن قد وافق على منح الدكتور شكري الدرجة العلمية دون امتحان. وكان ذلك من العوامل التي ساعدت على تخفيف مظاهر اكتئابه، ويبدو أنه قرر عدم الاعتماد على أحد في البحث عن عروس، حين شاهد فتاة ذات شعر بلاتيني، بيضاء هيفاء، كثيرا ما تجلس على كرسي في الممر أمام غرفة عم علي (رحمه الله) بحجة شرب الشاي. ومن ثم فاتحها في موضوع زيارتها في المنزل لاتخاذ الإجراءات اللازمة فرحبت، وكنت أدهش من تجاهله لفارق السن، ولكن الشعر البلاتيني كان عاملا حاسما، رغم ما همست لي به إحدى زميلاتي من أنه «غير طبيعي» أي مصبوغ!
ووفقا للموعد المضروب زارها الدكتور شكري في المنزل فلم يجد أباها، ولكن والدتها رحبت به كل الترحيب، وكانت منهمكة في إعداد «مربى البلح»، فدعته إلى مشاركتها في تنظيف البلح «السماني» المستخدم في المربى بإخراج النوى منه، ففعل راضيا وانقضت السهرة دون أن يعود الأب، ودون مفاتحة الأسرة في الموضوع . وعندما قص علينا ما حدث قال له سمير سرحان أن ينسى الفتاة، وذكره بأن لها أنفا ضخما، وبأنها غير مجتهدة، ودعاه إلى الخروج معنا لمشاهدة فيلم «الحذاء الأحمر» وتناول الطعام عند «أرتين» وهو مطعم طاه أرمني عبقري، اكتشفه الدكتور شفيق مجلي، فخرجنا جميعا وأمضينا وقتا ممتعا، وأوصلناه بالتاكسي إلى المنزل، وعند وداعه قال له سمير: «خلاص بقى؟ ننسى الموضوع؟» فضحك رحمه الله وقال بعد ثوان بدت طويلة ممتدة: «بس شعرها بلاتيني!» وعندما حاولت الكلام نغزني سمير فسكت، وضحكنا ولم نعقب.
ولا بأس من استكمال قصته هنا، استباقا للأحداث؛ فعندما عدت من البعثة عام 1975م كان الدكتور شكري ما يزال يبحث عن عروس، وكان قد عين أستاذا في جامعة الأزهر دون المرور بالترقيات المعهودة، وذلك أن هناك قانونا من قوانين الجامعة يعمل به أحيانا ويعطل أحيانا أخرى، وهو يقول إنه يجوز تعيين أستاذ مساعد من خارج الجامعة إذا كان قد مضى على تخرجه عشر سنوات، ومضى عام على الأقل على حصوله على الدكتوراه، ويجوز تعيين أستاذ من خارج الجامعة إذا كان قد مضى على تخرجه ثمانية عشر عاما وعامان على الأقل على حصوله على الدكتوراه، وفي عام 1975م سمح بإعمال القانون لتعيين أحد أقرباء كبار المسئولين في الحكومة، فتقدم شكري وحصل على الوظيفة، فأدرك الفرصة قبل إعادة تعطيل القانون بأيام معدودة. ولا أدري الآن هل القانون معطل أم ساري المفعول.
Неизвестная страница