فهاج آخرون وقالوا: هذا إلحاد. فلتحيا الخلافة!
واشتدت الضجة، وحاول مصطفى باشا أن يرد النظام، فهدأت الضجة. وظهر بعدها صوت فوزي باشا واضحا، وقال بصوت عال: إني أتكلم بلسان حزب كبير في هذا المجلس، فأرجو أن يصغى لكلامي حتى لا يحدث في المجلس ما لا يليق. إن هذا الكلام الذي سمعناه من فخامة رئيس الجمهورية لا غبار عليه. إذا كان الذين ملئوا مقام الخلافة لم يحسنوا ملء هذا المقام، ما ذنب الخلافة نفسها حتى نصب عليها جام الغضب؟ وإذا كانت بعض الأمم الإسلامية عقت الخلافة وخرجت عليها، فما ذنب الخلافة؟ وإذا كانت دول أوربا تعادينا لأجل الخلافة بصفة كونها مقاما سياسيا، فقد نزعنا من الخلافة الصبغة السياسية وأبقيناها نظاما دينيا بحتا. فهذا التهجم على الخلافة سببه قصد التهجم على الأمراء؛ آل عثمان. فإذا صح أنهم خونة فليعاقبوا ليس بالطرد بل بالصلب كما اقترح بعضهم. فأنا وإخواني لا نسلم بطرد آل عثمان بلا محاكمة. (أصوات: خونة. خونة. فليهلكوا!)
واستمر فوزي يتكلم فقال: أنا لست من أعداء الجمهورية، وأنتم تعلمون أني من جملة القوات العاملة في تأسيسها. (صوت من بعيد: أما زرت الخليفة عبد المجيد؟ أما كان يتآمر ضد الجمهورية؟) - زرته وأزوره؛ لأني لا أعلم أنه خائن. فإن كان خائنا كما تقولون يجب أن يحاكم، وأما أن تنقموا على الخلافة بسبب تهمة ضد الأمراء لم تثبتوها بعد فذلك جرم يعاقبكم عليه التاريخ. (صوت: إنهم خونة. خونة. عندنا براهين.) - هاتوا براهينكم، فلعلي أستطيع كشف فسادها. إن هذه الطريقة في التجريم والحكم غير مألوفة. والمجالس النيابية ليست محاكم.
ثم انفضت الجلسة لتناول الطعام، ولما التأم المجلس ثانية حاول المحافظون أن يقنعوا حزب الشعب على أن يقتصروا على خلع الخليفة وإبقاء الخلافة. فلم يرعوا هؤلاء.
ثم بسطوا الاقتراح للاقتراع، فهب فوزي باشا وطلب تأجيل الاقتراع إلى الغد؛ لأن الموضوع خطير يجب أن يتناقش فيه أيضا قبل البت فيه. وقال إن عنده براهين وأقوالا معارضة لآراء وزير الحقانية، وعنده معلومات جديدة. وانتصر له المحافظون في تأجيل الاقتراع إلى اليوم التالي. وساد اللغط، وأخيرا نجح المحافظون بالتأجيل، وقال الأحرار فيما بينهم: لا بأس منه ما دام القرار النهائي معروفا والأكثرية ساحقة.
فتأجل الاقتراع إلى الغد.
الفصل الرابع عشر
المعركة الفاصلة
في ذلك المساء زار رجاء الدين أفندي مصطفى باشا كمال، فوجده باشا أكثر من قبل، ولكنه لا يخلو من شيء من القلق. فقال له: كيف الحال يا باشا؟ - لم يبق شك في النجاح؛ لأن أكثرية المجلس أصبحت معنا على كل حال. - وهل أنت واثق أنه لا يبدو شيء من غامض علم الله يقلب أفكار المجلس أو يعرقل الاقتراح؟ - الكل مقتنعون بصواب إلغاء الخلافة، وهو الأمر الجوهري. - وهل تسمح ببقاء آل عثمان في البلاد؟ - متى ألغيت الخلافة سهل طردهم. - وهب أن نورا من البينات على براءتهم سطع في جو أنقرة غدا، فهل تستطيع أن تحجب هذا النور بكفيك؟ وإذا لم تستطع أن تحجبه فلا تقدر أن تطردهم. وإذا لم تطردهم بقي ظل الخلافة كالخلافة نفسها يهدد إمبراطوريتك. - ويحك يا رجاء. ألا تدع المزاح؟ وما الذي حملك على هذا التخوف؟ - أما سمعت فوزي باشا يقول: إن عنده معلومات جديدة؟ - لله درك! تنتبه لكل كلمة. فماذا يمكن أن يكون عنده من المعلومات يا رجاء؟
وظهر قلق مصطفى باشا بالرغم من مكابرته، فقال له رجاء: لا أدري. وإنما الحكيم من حسب الحساب للصغيرة كالكبيرة. فهو يقول: إن عنده معلومات جديدة، فلماذا لم يقلها في الحال؟ - ماذا تظن في تأجيله قولها إلى الغد؟ - أظنه ينتظر معلومات جديدة غدا؛ ولذلك يجب أن تتحقق إن كان فوزي على اتصال مع بعض الأمراء سرا. - كيف يمكن تحقيق ذلك؟ - يجب أن نبحث في البريد والتلغراف. يجب أن نخترق كل قانون الآن. يجب أن نحجز رسائل فوزي والتلغرافات التي ترد إليه. - صدقت يا رجاء، صدقت. يجب أن أعرف أشياء الليلة.
Неизвестная страница