هنا يجب أن نوجز للقارئ الكريم مجمل الحوادث التي حدثت في أواخر فبراير من ذلك العام سنة 1924 استعدادا للعمل العظيم الذي أقدم عليه الكماليون؛ وهو إلغاء الخلافة.
فقد نشرت جريدة «توحيد أفكار» تلغرافا من مراسلها في أنقرة بتاريخ 26 فبراير أن مصطفى باشا كمال دعا إليه الشيخ مصطفى فوزي وزير الشريعة في الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر ذلك اليوم.
وجعل الغازي ورئيس الوزارة عصمت باشا يتفاوضان مع الوزير المذكور بشأن إلغاء الخلافة ووزارة الأمور الشرعية؛ بغية توحيد الإدارة في النظام الجمهوري، وإلغاء المحاكم الشرعية؛ لأجل توحيد القضاء في المحاكم الدينية على حد ما فعلت فرنسا وغيرها من الجمهوريات، وإلغاء المدارس الخاصة بالمشايخ؛ بغية توحيد التعليم الأهلي، وإزالة الأوقاف وجعلها ملكا حرا للأمة تحت تصرف الحكومة. وقد دامت هذ الجلسة الخصوصية ساعة كاملة أفحم فيها وزير الشريعة.
وفي 27 فبراير انعقد المجلس الوطني للمناقشة في ميزانية الحكومة، فأثارت هذه المناقشة نفوس الأعضاء لما فيها من التبذير على أمور لا فائدة منها للأمة، وأطلقت ألسنة كثير من الأعضاء في الإعراب عما تكنه أفئدتهم عن مسألة التخلي عن آل البيت العثماني، وعن مسألة توحيد الإدارة والقضاء والتعليم، إلى غير ذلك مما تختصر به النفقات وتتحسن الإدارة.
ووقف في هذه الجلسة واصف بك نائب مقاطعة صاروحان خطيبا في موضوع الميزانية جملة، واستطرد منه إلى موضوع عزل شئون الدين عن الدولة. فدافع عن البيانات التي صرح بها شكري بك نائب أزمير بشأن الخلافة والقضاء والتعليم وغيرها، وبشأن اختصار نفقاتها. واندفع في موضوع تجديد بناء الدولة وتجريدها من هذه الزوائد التقليدية حتى تستطيع النهوض. ثم استطرق إلى موضوع نفقات العائلة المالكة التي تعد عالة على البلاد ولا نفع منها لها. ثم جنح إلى تهمة الأسرة المالكة بخيانة الجمهورية.
ثم قام بعده خطباء آخرون ضربوا على الوتر نفسه بالنغمة نفسها، وعارضهم معارضون وناقشهم مناقشون. وأخيرا نهض مظهر مفيد بك نائب دنزلي وضرب على نفس الوتر، وختم كلامه بقوله: «أنا أرى أنه لا يكون في الميزانية قرش واحد لآل عثمان. فنحن كنا نحترم هذه العيلة؛ لأنها تنتمي لمنصب ديني، فإذا هذا المنصب وأهله يسيئون إلينا إساءة الكفار.»
فصاح بعض الأحرار: أفصح لا تكتم!
فقال: ماذا أقول لكم أكثر من أنهم خانونا وكادوا ضدنا؟ فليس لهم مكان في تربة الجمهورية التركية المباركة.
فقال فوزي باشا: نود برهانا على هذا الادعاء، وإلا فهو تهجم.
فصاح آخرون: سترى البرهان، سترى. سوف يأتي يوم الدينونة.
Неизвестная страница