وافتقدت قريش صهيبا يومها ذاك، ثم افتقدته من غد، ثم تحسس أبو جهل أخباره، ثم أقبل ذات يوم وهو لا يمسك نفسه من الغضب، فلما رأته قريش قال قائلها: ثارت ثورة أبي الحكم. ووقف أبو جهل على نادي قومه فاتكأ على قوسه، ثم قال في صوت المحنق
97
المغيظ: اعلموا يا معشر قريش أن صهيبا قد صبأ، وأنه يشارك آل ياسر في عذابهم منذ اليوم.
9
لم تشهد خثعم يوما كذلك اليوم الذي انتصرت فيه على عدو غير محارب، والذي ملأت فيه أيديها من الغنيمة، لم تتكلف في ذلك عناء، ولم تبل فيه بلاء، ولم تبذل فيه جهدا ولم تلق فيه كيدا، وإنما كان الرجل منها يمد يده إلى ما يليه من المال ثم يردها وقد أصابت منه ما تريد وفوق ما تريد، كأنما أنهبت مال النجاشي إنهابا، وأمرت أن تأخذ منه حتى ترضى، ولم تكن ترضى بالقليل، ولا تقنع باليسير، ولو قد استطاعت لاحتوت في ذلك اليوم مال النجاشي كله، فقد كان جيش أبرهة يعود منهزما عن مكة، قد فقد حوله وطوله وقوته في غير حرب، وحمل أميره عليلا منهوكا يتراءى له الموت فيفظعه ويفزعه، ثم تتراءى له الحياة فترد إليه شيئا من روح وراحة، وبطانته مشغولة به جازعة عليه، تأمل وجه النهار وتيأس آخره، والجند الذين أعفاهم الموت وأبقت عليهم الطير الأبابيل
98
يسعون متخاذلين متضائلين يتحاملون على سوق
99
لا تكاد تحملهم، قد بلغ الجهد من أجسامهم، وعبث اليأس بنفوسهم، فهم ظلال تسوق المال، إلا أنها ظلال تخاف ولا تخيف. •••
وكانت خثعم قد رأت جيش أبرهة وهو يسعى إلى مكة في قوة أي قوة وعدة أي عدة ونشاط أي نشاط. فأما كرامها وذوو أحلامها فتنحوا لأبرهة عن طريقه،
Неизвестная страница