قال عمار: هلم الآن إن شئتما.
وأقبل المساء من ذلك اليوم، وإذا أبو جهل عمرو بن هشام قد أقبل في فتية من أحرار مخزوم ورقيقها، فوضعوا عمارا وأبويه في الحديد، وأشعلوا في دار ياسر النار. يقول ياسر لسمية والقوم يعتلونهم
66
إلى حيث يحبسون: انظري سمية، هذا أول النار التي عرضتها علي الأحلام.
فيقول عمار: ومن ورائها جنة فيها نعيم ورضوان للذين صدقوا محمدا، واستجابوا لما دعاهم إليه.
7
واجتمع الملأ من قريش في المسجد حين ارتفع الضحى من الغد، فلم يتحدثوا في تجارة ولا بيع، وإنما تحدثوا في هذا الحدث العظيم الذي ابتكره فتى مخزوم في هذا البلد الآمن الذي ليس لأهله عهد بتحريق الدور على أهلها، ووضع الرجال والنساء في الحديد وإذاقتهم ألوانا من العذاب، مع أنهم لم يقتلوا ولم يسرقوا ولم يقترفوا من الآثام والذنوب ما تعودت قريش أن تنكره وتعاقب عليه.
يقول الوليد بن المغيرة لأبي جهل عمرو بن هشام: ويحك يا ابن أخي! لقد أحدثت في هذا الحرم الآمن ما ليس لقريش به عهد، لم تؤامرنا فيما صنعت، ولم تصدر عن ذوي أحلامنا
67
ولا عن أولي الرأي من قومك، وإنما اتبعت هواك، واستخفك الغرور، وتبعك السفهاء من فتياننا والمحمقون من رقيقنا، وإني لأخشى أن يكون لهذا الحدث الذي أحدثته ما بعده؛ فإن لهذا الحرم في نفوس العرب مكانته؛ يأمنون فيه من خوف، ويطعمون فيه من جوع، ويلتمسون فيه ما لا يجدون في غيره من الدعة والسعة والطمأنينة والرخاء. فكيف إذا تسامعت العرب بأن الذين يأوون إلى هذا الحرم ويستظلون بظل هذا البيت لا يجدون دعة ولا سعة ولا ينعمون بأمن ولا عافية، وإنما تحرق عليهم دورهم، ويوضعون في الحديد، ويسامون سوء العذاب؟! وكيف إذا تسامعت العرب بأن فتيان قريش وسفهاءها قد بغوا وطغوا، وأصبحوا لا يحفلون بالملأ ولا بذوي الأحلام والرأي من قومهم، وإنما يركبون رءوسهم، ويستجيبون لشهواتهم، ويتبعون أهواءهم، لا يحفظون للجار عهدا، ولا يرعون للاجئ حرمة؟! أما إني مشير على مخزوم بأن تطلق هؤلاء الأسارى وبأن تنصفهم منك ومن أصحابك.
Неизвестная страница