السر روبرت بيل
تولى الوزارة سنة 1841بحكم الشعب؛ لأن أكثرية النواب كان من المحافظين، فاضطرت الملكة أن تسند الوزارة إلى زعيمهم، وكان قد طلب منها أن تبدل نساء بلاطها بغيرهن على ما تقدم فساءها ذلك جدا، ثم كرر الإساءة إليها بطلبه تخفيض المال الذي قطع لزوجها لكن لورد ملبرن علمها مدة وزارته أن أول واجب عليها الخضوع لمطالب الأمة، فلم تر بدا من إسناد الوزارة إلى السر روبرت بيل حينما فاز حزبه في الانتخابات العمومية، فأخذت الختوم من الوزراء المعزولين وسلمتها له وللوزراء الذين اختارهم معه، ولم تكن قد فعلت ذلك قبلا، فعلت وجهها حمرة الخجل لكنها ملكت نفسها، وأظهرت الحزم الشديد ورأست مجلس الوزراء بعزيمة صادقة، واضطرب السر روبرت بيل في أمره أكثر منها مع ما هو مشهور عنه من الهمة والإقدام؛ لأنه شعر من نفسه أنه كان السبب في الإساءة إليها لكنه لم ير منها إلا كل دعة ولطف، فسكن جأشه ولا سيما لما رآها تكلمه كما كانت تكلم وزيرها السابق كأنها صفحت عما مضى وقصرت نظرها على مصلحة البلاد. ولما اعتزل الوزارة بعد خمس سنوات كتبت إلى خالها ملك البلجيك تقول: «لقد كان أمس يوما عبوسا؛ إذ اضطررت أن أفارق السر روبرت بيل ولورد إبردين وفراقهما خسارة لا مثيل لها علينا وعلى البلاد، فإنهما كانا صديقين مخلصين وكنا في أشد الأمن والاطمئنان معهما، وفي كل هذه السنوات الخمس التي توليا فيها الوزارة لم يشيرا بشيء إلا وفيه المصلحة لي ولبلادي.»
وفي مدة وزارته قهرت الحامية الإنكليزية في مدينة كابول وأوقع الأفغان بها وهي عائدة، وكان فيها 4500 من الجنود و12 ألفا من القديديين فلم يسلم منهم سوى رجل واحد ترك حيا ليبلغ حامية جلال آباد ما حل برفاقه، لكن الإنكليز أخذوا بثأر إخوانهم وفتحوا كابول عنوة.
وتوفي السر روبرت بيل سنة 1850 فحزنت الملكة عليه حزنا شديدا، وقالت: «إنه كان صديقنا الأصدق ومشيرنا الأحكم.» وكأنها تتكلم بصيغة الجمع؛ لأن زوجها كان قد صار شريكا لها في الملك.
اللورد جون رسل
لما سقطت وزارة السر روبرت بيل استدعت الملكة اللورد جون رسل وطلبت منه أن يشكل وزارة جديدة ففشل في أول الأمر، وعاد بيل إلى الوزارة، ثم اضطر إلى الاستعفاء ثانية، فشكل اللورد رسل وزارة سنة 1846 واضطر أن يستعفي سنة 1852 كما سيجيء، وتلاه لورد دربي ولورد إبردين، وأخذ نظارة الخارجية في وزارة لورد إبردين وعاد إليها في وزارة بامرستون الثانية، ثم عاد إلى الوزارة بعد موت بامرستون سنة 1865 ولم يقم فيها طويلا، وأوقع المملكة في اضطراب شديد مدة وزارته، فاغتاظت الملكة منه لكنها صفحت عنه حالا، ولما توفي سنة 1878 كتبت إلى زوجته تقول: إني أسيفة على صديقي الذي أخلص لي الولاء أربعين سنة، وزيري الأول والأشهر الذي لا أنسى لطفه لي في أوقات الشدة والضيق.
وهذا شأنها مع كل وزرائها، فإنها تنظر إلى الكبير منهم نظر الابنة إلى أبيها، وإلى الصغير نظر الأخت إلى أخيها، وإلى الجميع نظر الصديق إلى صديقه.
لورد بامرستون
لما استعفى السر روبرت بيل وسلمت الملكة مقاليد الوزارة للورد جون رسل جعل اللورد بامرستون وزيرا للخارجية، وكان بامرستون شديد العزيمة في السياسة الخارجية يقتحم مخاطرها غير هياب، فلقب بالشعلة النارية، ولما اعترض على سياسته في مجلس النواب دافع عنها بخطبة طويلة دامت خمس ساعات، ففاز على خصومه.
ولما أراد لويس نبوليون الارتقاء إلى عرش عمه نبوليون الأول كتبت الملكة إلى وزيرها اللورد جون رسل تقول: إنها استغربت جدا الحوادث التي حدثت في باريس، واهتمت بها أشد الاهتمام، ولكنها تحسب أنه يجب أن يخبر سفيرها في باريس؛ لكي يبقى على الحياد ولا يشترك فيما هو جار فيها بوجه من الوجوه؛ لأن كل كلمة يقولها يمكن أن تفسر على غير مراده. ولا يخفى أن رأي الملكة هذا عين الصواب، لكن بامرستون لم يعمل به، بل سبق فأخبر سفير فرنسا في إنكلترا أنه مستحسن لما فعله لويس نبوليون، ولم يستشر اللورد جون رسل ولا الملكة، فأشار عليه اللورد رسل أن يستعفي من منصبه، فاستعفى ثم اعترض على وزارة اللورد رسل فأسقطها، وقامت بعدها وزارة لورد دربي، فلم يشترك فيها مع أن لورد دربي عرض عليه أحد مناصبها، ثم سقطت وزارة لورد دربي، وأتت بعدها وزارة أرل إبردين سنة 1852، فجعل فيها وزيرا للداخلية، وسقطت هذه الوزارة سنة 1854، فسلمت الملكة مقاليدها للورد بامرستون، وكان حينئذ في الحادية والسبعين من عمره، وكانت نار حرب القرم مستعرة، فأذكى نارها إلى أن انقضت بأخذ سباستوبول وعقد الصلح.
Неизвестная страница