Происхождение различий между людьми
أصل التفاوت بين الناس
Жанры
مقدمة
بقلم عادل زعيتر
كان جان جاك روسو في رسالته عن تأثير الفنون والعلوم في الأخلاق قد أقام الدليل على أنهما أفسدا الأخلاق وأوجبا شقاء الإنسان، مدعيا أن الترف والحضارة من نتائجهما، قائلا بالرجوع إلى حال الطبيعة، ومما ذهب إليه في هذه الرسالة كون الثقافة أقرب إلى الشر منها إلى الخير، وكون التفكير مناقضا لطبيعة الإنسان، وكون الفضيلة والأمانة والصدق لا أثر لها في غير الحال الطبيعية حيث لا علوم ولا فنون.
وكتب روسو رسالته تلك بقلم حار وعاطفة جارفة، فجاءت مبتكرة في مجتمع بلغ الغاية من المدنية مخالفا لما عليه الجمهور، ويعد روسو في رسالته تلك كالمحامي الذي يلتزم طرفا واحدا في المرافعات، فيصعب تصديق جديته في تمثيل دوره؛ ولذلك لا تتجلى أهمية رسالته تلك في اشتمالها على مذهب إيجابي، بل في كونها مفتاحا لنشوء روسو الذهني، وفي كونها مرحلة مؤدية إلى «أصل التفاوت»، فإلى «العقد الاجتماعي».
و«أصل التفاوت» هو ما نقدم ترجمته الآن بعد أن قدمنا ترجمة «العقد الاجتماعي».
نشر روسو كتاب «أصل التفاوت» في سنة 1755 مقدما إلى جمهورية جنيف، وتدل كلمة «الطبيعة» هنا على تطور كبير، فلا يعارض روسو بها شرور المجتمع معارضة فارغة، بل تنطوي على أمور إيجابية، فنرى نصف «أصل التفاوت» يشتمل على وصف خيالي لحال الطبيعة التي يكون الإنسان فيها محصورا ضمن أضيق مجال مع قليل احتياج إلى أمثاله، وقليل اكتراث لما وراء احتياجات الساعة الحاضرة.
وفي هذا الكتاب صرح روسو بأنه لا يفترض وجود الحال الطبيعية فعلا، وإنما يستحسن حالا من الهمجية متوسطة بين الحال الطبيعية والحال الاجتماعية، يحافظ الناس بها على البساطة ومنافع الطبيعة. ويظهر من تعليقات روسو على متن الكتاب أنه لا يريد رجوع المجتمع الفاسد الحاضر إلى حال الطبيعة، وإنما يعد المجتمع أمرا لا مفر منه مع فساده، وهو يعلل هذا الفساد بالتفاوت بين أفراد المجتمع في المعاملات والحقوق، فيتغنى بالإنسان الطبيعي الطاهر، ويقول بتلك الحال المتوسطة حيث تسود المساواة.
وقد وجد من يؤاخذ روسو على سلوكه منهاج التاريخ في «أصل التفاوت»، مع أنه لم يحرص على إلباس هذا الكتاب ثوبا تاريخيا، وانتحال المناحي التاريخية الزائفة من خصائص القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر، وروسو لم يبال بهذه المناحي.
ويعد كتاب «أصل التفاوت» هذا مدخلا لكتاب «العقد الاجتماعي»، الذي ظهر سنة 1762، لا بد منه للوقوف على ما اشتمل عليه «العقد الاجتماعي» من أصول ومبادئ. وقد نقلنا إلى العربية كتاب «العقد الاجتماعي» العظيم الشأن وتم نشره مستقلا، وفي «العقد الاجتماعي» حمل روسو على الرق وعدم المساواة، وناضل عن حقوق الإنسان وأقامها على طبيعة الأمور، وقال إن هدف كل نظام اجتماعي وسياسي هو حفظ حقوق كل فرد، وإن الشعب وحده هو صاحب السيادة. وكان روسو يهدف في «العقد الاجتماعي» إلى النظام الجمهوري، فتحقق هذا النظام بالثورة الفرنسية بعد ثلاثين سنة، حين اتخذ «العقد الاجتماعي» إنجيل هذه الثورة.
ولم يقل روسو بحكومات زمنه لمنافاتها للطبيعة، ويقوم مذهبه على كون الإنسان صالحا بطبيعته محبا للعدل والنظام، فأفسده المجتمع وجعله بائسا، والمجتمع سيئ لأنه لا يساوي بين الناس والمنافع، والتملك جائز لأنه مقتطع من الملك الشائع الذي يجب أن يكون خاصا بالإنسانية وحدها، فيجب أن يقضي على المجتمع إذن، وأن يرجع إلى الطبيعة، وهنالك يتفق الناس بعقد اجتماعي على إقامة مجتمع يرضى به الجميع، فيقيمون بذلك هيئة تمنح الجميع ذات الحقوق، وتقوم سيادة الشعب مقام سيادة الملك، ويتساوى فيها الناس، وتنظم فيها الثروة والتربية والديانة.
Неизвестная страница