فرض نفسه كأنه واحد من أهل العرف ، فكما أن العرف لو علقوا حكما على العنوان لا يكون في نظرهم إلا الأفراد التي هي أفراد عندهم ، فكذا الشارع أيضا يقع نظره بعد التنزيل المذكور على ما هو فرد بنظر العرف ، فلو قال : الدم نجس ، يحمل كلامه على الأفراد العرفية للدم ، فلو كان شيء فردا للدم بنظر الحكيم كاللون بناء على امتناع انتقال العرض ، ولم يكن عند العرف فردا يحكم بطهارته ولو كان فردا واقعا ، والدليل على لزوم هذا التنزيل في حق الشارع أنه لو لاه لزم نقض الغرض ؛ إذ من المعلوم أن أخذ الغرض من كل قوم لا يحصل إلا بتعليق الحكم على الأفراد التي هي أفراد بمذاقهم.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن مفهوم البيع مثلا مفهوم واحد عند الشرع والعرف وهو المبادلة على ما عرفت ، فالاختلاف في بعض الموارد إنما هو في مصداقه ، ومقتضى المقدمة الثانية أن يكون الحلية الإمضائية في آية ( أحل الله البيع ) متعلقا بالأفراد العرفية ، فيكون جميع ما هو فرد عند العرف مشمولا لهذا الحكم ، فيكون المعنى أن كل ما هو فرد للمبادلة عندكم فترتبون الآثار عليه فهو عندي أيضا ممضى ، ويكون فردا ومنشئا لآثار المبادلة ، فلو تحقق المبادلة بنظر العرف في مورد وشك في أنه هل يشترط في تحققه عند الشرع أمر آخر يتمسك في نفيه بإطلاق أحل.
هذا كله على القول بالوضع للمسبب ، ويعلم منه الحال على القول بالوضع للسبب الصحيح المؤثر ؛ فإن إطلاق البيع في أحل الله البيع حينئذ محمول على الأسباب المؤثرة عند العرف ، فعند الشك في اعتبار أمر في التأثير مع إحراز الصدق العرفي يتمسك بإطلاق «أحل» أيضا.
وأما في العبادات فحيث إنها ماهيات مخترعة للشرع ، فليس لها عند العرف أفراد على القول بالوضع للصحيح حتى يحمل الخطابات عليها ، فلا يبقى على هذا القول عند الشك في دخل شيء في صحة العبادة إلا التوقف وعدم التمسك بالإطلاق ، وأما على قول الأعمى فحيث إن الحكم قد تعلق بالجامع بين العبادة
Страница 58