غير اختياري ، لا أقل من المقدمات السابقة على الإرادة من تصور الفعل والميل ونحوهما ، بل وجود الفاعل وقدرته ووجود الموضوع مثل الخمر مثلا ؛ فإن كل ذلك دخيل في صحة العقوبة قطعا.
ألا ترى أن من كان واجدا للخمر وشربه يستحق العقوبة ومن لم يشربه لأجل أنه لا يجد لا يصح عقوبته ، مع أن وجود الخمر عند الأول وعدمه عند الثاني غير اختياريين ، وبالجملة المصحح للعقوبة كون الفعل بالأخرة منتهيا إلى اختيار المكلف بأن كان آخر مقدمة وجوده بيده ، فإذا تحقق ذلك لا يضر عدم اختيارية سائر المقدمات وإن كانت ألف مقدمة، نعم لو كان جميع المقدمات خارجا عن الاختيار ولم يرجع إليه حتى بالاخرة لم يصح حينئذ العقاب.
وحينئذ فنقول : إن من شرب الخمر الواقعي فوجود الخمر الذي هو أحد أسباب الاستحقاق وإن كان غير اختياري متحقق في حقه ، فلهذا صار مستحقا ، ومن شرب الماء باعتقاد الخمرية فهذه المقدمة منتفية في حقه ؛ فلهذا لا يكون مستحقا ، نظير من كان الخمر عنده موجودا ويشربه ، ومن يكون عنده مفقودا فلهذا لا يشربه ، كما مثلنا به ، وهذا من جهة الفعل الخارجي ، وبعبارة اخرى من حيث عقاب معصية شرب الخمر ، وأما من حيث القصد فقد عرفت عدم الفرق بينهما.
الكلام في القطع الطريقي والموضوعي
الأمر الثالث : جميع ما ذكرناه من التكلم في حجية القطع بنفسه وعدم إمكان النهي عنه وعدم قابليته للأمر المولوي ومن البحث في أحكام التجري كلها إنما هو في القطع الطريقي ؛ فإن القطع قد يكون طريقا صرفا ، والأثر لنفس متعلقه ، ولازم هذا حجيته على الإطلاق من أي سبب حصل ولأى شخص كان وفي أي زمان وجد ، وقد يكون مأخوذا على وجه الموضوعية وحينئذ ففي سعة دائرته وضيقها وإطلاقه وتقييده يتبع دليله اللفظى ؛ فإنه في ذلك تابع لنظر الجاعل وجعله ، فقد يجعل القطع موضوعا مطلقا وقد يجعل القطع الخاص موضوعا كالقطع الحاصل من
Страница 385