وبالجملة لا بد في استحقاق العقوبة في القبائح العقلية إلى ضميمة حكم الشرع بقاعدة الملازمة ، وهنا لا يمكن ذلك لعين ما ذكر في نفس المعصية من عدم إمكان توجه النهي المولوي إليها ؛ فإن هذا بعينه موجود في إرادة المعصية أيضا ؛ فإنها لا تتحقق إلا بعد العلم بوجود النهي واقعا ، فإذا لم يصرفه هذا النهي فالنهي عن الإرادة لا يمكن مولويته بالبيان المتقدم.
قلت : وجه الحاجة في سائر المواضع إلى ضميمة الأمر والنهي لاستحقاق العقاب المولوي أن مجرد ارتكاب القبيح مع قطع النظر عن النهي لا يرتبط بالمولى من حيث إنه مولى، نعم هو من حيث إنه واحد من العقلاء مشمئز من الفعل ، فالظلم لو لا النهي ليس هتكا للشارع من حيث إنه مولى ، نعم هو من حيث كونه من العقلاء يشمئز منه ، فيحتاج إلى إيجاد الأمر والنهي في موضوع الحسن أو القبح العقليين حتى يكون الارتكاب أو الترك مرتبطا بمقام مولويته.
وهذا بخلاف المقام فإنه بدون النهي يرجع سوئيته إلى المولى ، بل قبح إرادة معصية المولى عقلا إنما هو لأجل كونها راجعة إلى المولى وكونها بمنزلة الظلم عليه ، كما أن هذا هو الحال في إرادة الطاعة المسماة بالانقياد ؛ فإنه من الابتداء يرجع حسنه إلى المولى ، بل حسنه يكون من جهة كونه حسنا راجعا إلى المولى ، فيكون المولى أهلا للثواب عليه ، وإرادة المعصية أيضا تكون من الابتداء قبيحا راجعا إلى المولى ، وقبحه العقلي أيضا من جهة ذلك ، فيكون المولى هو الأهل للعقاب عليه.
والحاصل أن العزم على المعصية قبيح عقلي يستحق عليه العقاب بدون النهي كما أن العزم على الطاعة حسن عقلي يستحق عليه الثواب بدون الأمر ، ولا يتوهم منافاة بين ما ذكر هنا وما تقدم من إمكان انفكاك التجري عن عنوان الاستخفاف وما أشبهه ؛ فإنه وإن كان يمكن أن لا يكون استخفافا ولكنه لا ينفك عن كونه جريا على خلاف إرادة المولى وإرادة على خلاف ميله فيكون رجوع أمره إليه ، مثلا لو ضرب العبد ابن شخص آخر غير المولى فالمولى من حيث إنه أحد العقلاء يبغض هذا الفعل ، وأما لو ضرب ابن المولى فهذا الضرب له تعلق بالمولى وهو من حيث
Страница 383