الصورة الذهنية وهي حاكية عن الخارج.
فنقول في مقام الحل : إن التصور الاستطراقي لا يراه اللاحظ مستقلا حين لحاظه وإن كان ربما يلتفت إليه كالتفات العالم إلى علمه والناظر بالباصرة إلى نظره ، بل يتخيل أنه ليس في البين إلا ذات المعنى ، ولهذا يقبح عنده حمله على الخارجيات بخلاف الثالث الذي يرى تقيد المعنى في ذهنه باللحاظ ؛ فإنه يحكم بمباينته للخارجيات ، فالواضع وضع اللفظ لمعنى يكون متحققا مع تتمته في ذهن المستعمل أبدا ، لكن المستعمل حين الاستعمال لا يرى هذه التتمة ، وهذا نظير ما عرفت في الحروف من أنها موضوعة لمعان لا يمكن للمستعمل لحاظها مستقلا حال الاستعمال ، بل لا بد من لحاظها حالة في الغير أبدا .
فكما وضع الواضع اسم الجنس للمعنى المتصف بالتجريد ، لكن إذا قطع النظر عن تجريده ولم يلاحظ قيدا ووصفا له حتى ينطبق على الخارجيات ، فكذا يمكن ذلك في التصور أيضا بأن يتعهد الواضع على أنه متى تعقل هذا المعنى ولم يلاحظ هذا التعقل وصفا وحالا له بل جعله طريقا للواقع تكلم بهذا اللفظ ، فاتصاف المعنى بكونه موضوعا له نظير اتصاف الطبيعة بالكلية.
بيان ذلك : أن العوارض لا يعرض على الطبيعة إلا إذا وجدت إما في الخارج كبرودة الماء وحرارة النار ، أو في الذهن ؛ ضرورة أن الطبيعة معراة عن جميع العوارض خارج هذين العالمين ؛ لأن وجود العرض فرع وجود المعروض والطبيعة خارج العالمين لا شيء ؛ إذ ليس ورائهما عالم آخر ، وهذا معنى قولهم :
«الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي» يعني أن الماهية المهملة لا تكون كلية ولا جزئية ؛ لأنها ليست بموجودة في شيء من العالمين بل هي معراة عن عرض كونها ليست إلا هي أيضا.
فالتعبير به من باب ضيق العبارة ، فلا بد أن يتحقق الطبيعة في الذهن مجردة عن جميع الخصوصيات حتى ينطبق على الخارجيات ، فوصف الكلية إنما يعرض على الطبيعة في حال الملحوظية والتجريد بحيث لو سلب عنها هذا الحال انتفى هذا
Страница 31