الأحاديث من بعدي فإذا روى لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله تعالى فاقبلوه وما خالفوه فردوه فلذلك نقول أنه لا يقبل خبر الواحد في نسخ الكتاب ويقبل فيما ليس من كتاب الله على وجه لا ينسخه ومن رد أخبار الآحاد فقد أبطل الحجة فوقع في العمل بالشبهة وهو القياس أو استصحاب الحال الذي ليس بحجة أصلا ومن عمل بالآحاد على مخالفة الكتاب ونسخه فقد أبطل اليقين والأول فتح باب الجهل والإلحاد والثاني فتح باب البدعة وإنما سواء السبيل فيما قاله أصحابنا في تنزيل كل منزلته ومثال هذا مس الذكر أنه يخالف الكتاب لأن الله تعالى مدح المتطهرين بالاستنجاء بقوله تعالى
﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾
والمستنجي يمس ذكره وهو بمنزلة البول عند من جعله حدثا ومثل حديث فاطمة بنت قيس الذي روينا في النفقة أنه يخالف الكتاب وهو قوله تعالى
﴿أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم﴾
الآية ومعناه وأنفقوا عليهن من وجدكم وقد قلنا أن الظاهر من الكتاب أحق من نص الآحاد وكذلك مما خالف الكتاب من السنن أيضا حديث القضاء بالشاهد واليمين لأن الله تعالى قال
﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكم﴾
ثم فسر ذلك بنوعين برجلين بقوله
﴿من رجالكم﴾
وبقوله
﴿فرجل وامرأتان﴾
ومثل هذا إنما يذكر لقصر الحكم عليه ولأنه قال ذلك
﴿وأدنى ألا ترتابوا﴾
ولا مزيد على الأدنى ولأنه انتقل إلى غير المعهود وهو شهادة النساء ولو كان الشاهد واليمين حجة لكان مقدما على غير المعهود وصار ذلك بيانا على الاستقصاء وقال في آية أخرى
﴿أو آخران من غيركم﴾
فنقل إلى شهادة الكافر حين كانت حجة على المسلمين وذلك غير معهود في موت المسلمين ووصاياهم فيبعد أن يترك المعهود ويأمر بغيره ولأنه ذكر في ذلك يمين الشاهد بقوله
﴿فيقسمان بالله﴾
ويمين الخصم في الجملة مشروع فأما يمين الشاهد فلا صار النقل إلى يمين الشاهد في غاية البيان بأن يمين المدعى ليست بحجة وأمثال هذا كثير ومثله خبر المصراة وكذلك ما خالف السنة المشهورة أيضا لما قلنا انه فوقه فلا ينسخ به وذلك مثل حديث الشاهد واليمين لأنه خالف المشهور وهو قوله البينة على المدعى واليمين على من أنكر يعنى المدعى عليه ومثل حديث سعد بن وقاص رضي الله عنه في بيع التمر بالرطب مخالف لقوله عليه السلام التمر بالتمر بزيادة مماثلة هي ناسخة للمشهور باعتبار جودة ليست من المقدار إلا أن أبا يوسف ومحمد رحمهما الله عملا به على أن اسم التمر لا يتناول الرطب في العادة كما في اليمين واما القسم الثالث فلان الحادثة إذا اشتهرت وخفي الحديث كان ذلك دلالة على السهو لان الحادثة إذا اشتهرت استحال أن يخفي عليهم ما يثبت به حكم الحادثة إلا ترى انه كيف اشتهر في الخلف فإذا شذ الحديث مع اشتهار الحادثة كان ذلك زيافة وانقطاعا وذلك مثل حديث الجهر بالتسمية ومثل حديث مس الذكر وما اشبه ذلك واما القسم الاخير فلان الصحابة رضي الله عنهم هم الاصول في نقل الشريعة فاعراضهم يدل على انقطاعه وانتساخه وذلك أن يختلفوا في حادثة بارائهم ولم يحاج بعضهم في ذلك بحديث كان ذلك زيافة لان استعمال الرأي والأعراض عن النص غير سايغ وذلك مثل حديث الطلاق بالرجال والعدة بالنساء لان الصحابة اختلفوا ولم يرجعوا اليه وكذلك اختلفوا في زكاة الصبي ولم يرجعوا إلى قوله ? < ابتغوا في اموال اليتامى خيرا > ? كيلا تأكلها الزكاة فهذا انقطاع باطن معنوي اعرض عنه الخصم وتمسك بظاهر الانقطاع كما هو دأبه واما القسم الآخر فأنواع اربعة خبر المستور وخبر الفاسق وخبر الصبي العاقل والمعتوه والمغفل والمساهل وخبر صاحب الهوى إما خبر المستور فقد قال في كتاب الاستحسان انه مثل الفاسق فيما يخبر من نجاسة الماء وفي رواية الحسن هو مثل العدل وهذه الرواية بناء على القضاء بظاهر العدالة والصحيح ما حكاه محمد أن المستور كالفاسق لا يكون خبره حجة جتى يظهر عدالته وهذا بلا خلاف في باب الحديث احتياطا إلا في الصدر الأول على ما قلنا في المجهول واما خبر الفاسق فليس بحجة في الدين اصلا لرجحان كذبة على صدقه وقد قال محمد رحمه الله في الفاسق إذا اخبر بحل أو حرمة أن السامع يحكم رأيه فيه لان ذلك أمر خاص لا يستقيم طلبه وتلقيه من جهة العدول فوجب التحري في خبرة فأما هنا فلا ضرورة في المصير إلى روايته وفي العدول كثرة وبهم غنية إلا أن الضرورة في حل الطعام والشراب غير لازمة لان العمل بالاصل ممكن وهو أن الماء طاهر في الأصل فلم يجعل الفسق هدرا بخلاف خبر الفاسق في الهدايا وجه والوكالات ونحوها لان الضرورة ثمه لازمة وفيه اخر نذكره في باب محل الخبر إن شاء الله تعالى واما الصبي والمعتوه فقد ذكر محمد رحمه الله في كتاب الاستحسان بعد ذكر العدل والفاسق والكافر وكذلك الصبي والمعتوه إذا عقلا ما يقولان فقال بعضهم هما مثل العدل المسلم البالغ و الصحيح
Страница 177