والحية هي التي أوعزت لحواء في الجنة بالأكل من الثمرة المحرمة، فهي إذن رمز «إبليس» أو هي «إبليس» أو الشيطان، والشيطان يكون بهذا المعنى واحدا من السرافيم الملائكة. وفي هذا يقول الكتاب المقدس: «وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة: أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة، فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمرة الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة: بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها.» ولما علم الرب بذلك قال للحية: «لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين، وترابا تأكلين كل أيام حياتك» (الإصحاح 3، سفر التكوين).
إلا أنه للحق، حتى كتابة هذا النص التوراتي لم تكن شخصية «إبليس» قد تبلورت بعد، وكان الاعتقاد في مصدر الشر والإيعاز به هو الحية ذاتها، التي عظم أمرها في الأدوار التالية، وأصبحت في الخيال الإنساني ذات رءوس متعددة وأجنحة وأرجل ولسان وقاذف للهب، أي تنينا خرافيا يرمز للشر، ويدخل معه الإله في صراع طويل حتى يتغلب عليه. وفي ذلك يقول المزمور 74 بالكتاب المقدس: إن الإله القومي «يهوه» دخل الصراع مع هذا التنين الذي يسمى «لوياثان»: «أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رءوس التنانين على المياه، أنت رضفت رءوس لوياثان.» لاحظ أن الإله لا يصارع مخلوقاته بل أنداده. وفي سفر إشعياء (27: 1): «في ذلك الوقت ستقتل لوياثان الحية الهاربة، لوياثان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر.» ولعله واضح أن ذلك ليس سوى ترجيع لصدى الاعتقادات البدائية في قوتي الخير والشر والصراع بينهما.
ويدعم ذلك تماما الاكتشافات الآثارية الحديثة في أوجاريت (تل شمرا) القديمة، وما سجلته النصوص الكنعانية المقدسة هناك حول إله الشر المرموز له ب «لوياثان»، حيث نجد أصلا (طبق الصورة الموجودة بالكتاب المقدس) أورده الباحث «فراس السواح»: «وفي ذلك اليوم، يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان، ويضع نهاية للحية الملتوية الهاربة، شالياط ذات الرءوس السبعة.» وفي نص آخر تقوم «عنات» زوجة الإله «بعل» بقتل التنين، فيخاطبها النص الأوجاريتي قائلا: «ألست أنت التي أفنت التنين؟ وسحقت الحية الملتوتة ذات الرءوس السبعة؟»
35 (13) وكان الشيطان العربي ثعبانا
وإضافة لهذه المشابهات (أو الشبهات) النصية، نجد الفكرة العامة هي صراع بين قوتي الخير والشر، وهي الفكرة نفسها في صراع «أوزير» و«ست» في العقيدة المصرية القديمة، وصراع «مردوك» و«تهامة» في العقيدة الرافدية القديمة، وصراع «البعل» و«موت» في العقيدة الكنعانية، وهي الفكرة القديمة نفسها الشائعة في بقية المعتقدات العتيقة من تنين الصين حتى تنانين حوض المتوسط.
و«العقاد» يؤكد أن الشراح اليهود المتأخرين قد ذكروا أن الشيطان تمثل لآدم في صوة الحية حين أغراه بالأكل من الثمرة المحرمة، ولم تنقطع العلاقة بين الحية والشيطان أبدا.
ومن بعد اليهود استرسل المسيحيون الأوائل في حديث الحية باعتبارها أقرب صورة حسية لتمثيل الفكرة الطالعة للشيطان أو «إبليس»، حتى أصبح لها مقار عبادة في مختلف الحضارات القديمة.
36
ومن هنا اعتبر المسيحيون الحية معبودا شيطانيا كالتيوس الآلهة، ومن هنا أيضا أصبح الشيطان ممثلا في الحية والتنين والتيس لدى المسيحيين، فبقيت اللوحات الفنية المسيحية تمثله بالحية، وبالتنين في جميع أعضائه عدا الرأس الذي حول إلى رأس إنسان ذي قرنين أو أذنين صاعدين مكان القرنين. وكلما تقدمنا زمنيا وجدنا الأعمال الفنية المسيحية تستبعد عن صورته الحية والتنين لتخلفها ملامح إنسان خبيث، لكنه محتفظ بالقرنين أو الأذنين الطويلتين والظلف المشقوق، والذيل الذي غالبا ما ينتهي برأس الحية!
أما أوضح إشارة إنجيلية لتسمية الحية بالشيطان، فقد جاءت في الإصحاح 12 من أعمال الرسل، إذ تقول: «إنه التنين العظيم، الحية القديمة، المدعو إبليس، الشيطان الذي يضل العالم»!
Неизвестная страница