Легенда и наследие

Саид Кимни d. 1443 AH
153

Легенда и наследие

الأسطورة والتراث

Жанры

ودون مقدمات ولا ممهدات، يظهر الرب لإبرام ليهبه الأرض الكنعانية، مسجلة ومشهرة وممهورة بالضمانات لولده من بعده، فهو ليس مجرد انتفاع مؤقت إبان حياته تئول بعده لأصحابها، إنما لنسله، ولنلاحظ أنه لم يقل حتى لأبنائه، بل لنسله! فالخطط معدة سلفا ولأمد بعيد مقبل.

أما العجيب في الرواية هنا فهو التعبير «فبنى مذبحا للرب الذي ظهر له»! وهذا إنما يعني وجود أرباب لم تظهر له، وظهر أحدها، أو أن القبيلة كانت قبل نزول كنعان تعرف ربا محددا غير هذا «الذي ظهر له»، ويظهر هذا الجديد فجأة في كنعان بالذات، وهو قول يتسق مع واقع الأحوال آنذاك، فقد كان لكل شعب أرض، ورب للشعب والأرض، فهل كان هذا «الذي ظهر له» ربا لإبراهيم منذ البدء، أم أنه رب كنعاني حيث حطت القبيلة رحالها؟ الإجابة يمكن استنتاجها من باقي الرواية التوراتية، وهي تقرر بوضوح أن «إيل إله إسرائيل (التكوين، 23: 20)»، وهنا يجدر بنا الوقوف قليلا لتسجيل بعض الملحوظات المهمة التي يمكنها أن تجيب عن السؤال المطروح. (1)

إن الإله طوال القصص التوراتي السابق على نزول أرض كنعان، منذ بدء الخليقة إلى ظهور إبراهيم، لم يذكر أبدا بالاسم «إيل»؛ مما يشير إلى أنه لم يكن معروفا لهذه القبيلة في مواطنها الأصلية. (2)

كان هذا الإله معروفا هناك حين وصول القبيلة أرض كنعان، وله بيت مقدس يعبد فيه، وأصبحت المدينة المقام فيها حرما كاملا له وسميت «بيت إيل»، ثم نقل من هناك إلى الجبل، شرقي بيت إيل، ونصب خيمته، وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق. أي إنه سكن بين المدينة المقدسة «بيت إيل» ومدينة «عاي». (3)

إن هذا الإله الكنعاني قد أصبح إلها لإسرائيل، أو أنهم اختاروه إلها، وأعلنوا أنه هو الذي اختارهم، والغرض الذي يمكن فهمه أن لكل شعب أرضا يرتبط بها بالمواطنة والوطنية، ولا توجد شعوب دون وطن، لكن توجد «قبائل» بلا وطن، تمتهن الرعي وترتبط ببدائية البداوة، وتنفر من عاطفة الوطنية والاستقرار؛ لذلك عندما قرر هؤلاء أن يتحولوا من قبيلة إلى شعب، وحلا لهم اسم «شعب الله المختار»، قاموا يمنحون أنفسهم أرضا، منحها لهم رب الأرض نفسها، فهو الذي اختارهم وأتى بهم إلى بلاده ليتأله عليهم، بعد أن ضاقت به السبل وانقطعت الوظائف، فاختارهم شعبا خاصا له يمارس معهم الربوبية! وحتى لا يكون هناك تناقض، فإن الرب نفسه، بحسبانه المالك الشرعي، هو الذي منحهم أرضه الكنعانية؛ لذلك ما فتئت التوراة تكرر هذا المنح من الرب الكنعاني صاحب أرض كنعان بكافة الصيغ، التي أبرزها وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان، ملكا أبديا وأكون لهم إلها (التكوين، 17: 8). (4)

وإضافة إلى كون «إيل» إلها كنعانيا قديما في البلاد، له بيته ومدينته المقدسة، فقد كان له كهانته المنظمة، قبل هبوط القبيلة العبرية عليه. فهذا كبير الكهنة يستضيف «إبرام» وأهله بعد معركة ناجحة مع أعداء للمنطقة الكنعانية، ثم يبارك «إبرام» باسم «إيل»، فيسبغ عليه المواطنة لدفاعه عن البلاد، «وملكي صادق ملك شاليم، وأخرج خبزا وخمرا، وكان كاهنا لله العلي، وباركه وقال: مبارك إبرام من الله العلي ... الذي أسلم أعداءك في يدك» (التكوين، 14: 18-20). وفي المقابل تقرر أن ينال الكاهن من «إبرام» ورجاله الذين أخذوا يصولون في المنطقة ويجولون، العشر من الغنائم التي يغنمها «فأعطاه عشرا من كل شيء» (التكوين، 14: 20). وتمت الصفقة بمباركة من ملك في الجوار كان له نصيبه أيضا، فحضر الاتفاقية. «وقال ملك سدوم لإبرام: أعطني النفوس، وأما الأملاك فخذها لنفسك ...» (التكوين، 14: 21)، لكن «إبرام» يترك لهم كل شيء من الغنائم الزائلة بإباء وشمم، ويقول للملك: «لا آخذن لا خيطا ولا شراك نعل، ولا من كل ما هو لك، فلا تقول: أنا أغنيت إبرام» (التكوين، 14: 23-24)، ويتوجه للرب «إل عليون»، أو «إيل العالي» أو «الله العلي» بندائه: «أيها السيد الرب: ماذا تعطيني؟» (التكوين، 15: 2). فيجيبه: «أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها» (التكوين، 1: 7)، ثم لا يلبث «إل» أن يوسع على خليله، فيزيد: «لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات» (التكوين، 5: 18). (5)

إن «إيل»، إله المدينة الكنعانية المقدسة «بيت إيل»، يستمر على عهده وتصميمه في اختيار بني عابر شعبا بديلا لشعبه الكنعاني، فيظهر ليعقوب حفيد إبرام ليؤكد له استمرار الحلف، ويعرفه بنفسه قائلا: «أنا إله بيت إيل» (التكوين، 31: 13).

وحتى تثبت التوراة جدارة بني عابر بالأرض، ورب الأرض، تجعل الإله الكنعاني يمر بتجربة مريرة، يستشعر بعدها مدى حاجته الشديدة للعصابة العبرية، فتروي: ... فبقي يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه، ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه ...

وبرغم أن «حق فخذ يعقوب» قد انخلع في هذه الجولة الصراعية، فإنه يستمر يضغط على خصمه مما يضطره إلى ترجيه «وقال: أطلقني، لأنه قد طلع الفجر.» وهنا، وفي هذه اللحظة التاريخية، يكتشف يعقوب شخصية خصمه الحقيقية، التي تخشى النور والنهار، ويعرف فيه «إل» إله كنعان، فيرفض يعقوب إطلاقه إن لم يباركه، بما تحمل هذه البركات من أعطيات: «وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني، فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت، وسأل يعقوب وقال: أخبرني عن اسمك، فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك، فدعا يعقوب اسم المكان فينيئيل، قائلا: لأني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي» (التكوين، 33: 24-30).

ومن هنا تغير اسم «يعقوب» إلى «إسرائيل»؛ ليصبح أولاده من بعده يحملون اسم «بني إسرائيل»، والكلمة «إسرائيل» هي في الأصل العبري «صرع إيل»، وتعني «مصارع الرب»، أو «صارع الرب»، وهكذا أثبت «يعقوب» لرب كنعان قدراته؛ ومن ثم استحقاق هذا الرب للحماية، وفرض الإتاوة، وسلب الأرض، ونهب العرض، ولا بأس أن تتدخل الشروح المتفذلكة لتؤكد أن الكلمة «إسرائيل» تعني أيضا: «جندي الرب»؛ أي حامي الرب والمدافع عن حياضه وذماره!

Неизвестная страница