ولما خرج الإمام والمسلمون من كنيسة القيامة. قال الإمام لإيليا: ما اسمك أيها الشاب؟ فأجاب إيليا: إيليا أيها الأمير. فقال الإمام: اسم مبارك. يا إيليا ولئن أبطأت على سيدك البترك دلنا على المكان الذي رفع منه عيسى عليه السلام. فقال إيليا: هو على جبل الزيتون خارج المدينة أيها الأمير. فقال الأمير لرجاله: هلموا بنا إلى جبل الزيتون.
واجتاز الإمام المدينة بموكبه مع إيليا قاصدين جبل الزيتون، وكان الأمير في طريقه يمعن النظر في ما يبدو على المدينة وأهلها ومنازلها من آثار البذخ والترف والجاه والثروة. فلما صار خارج المدينة قال لإيليا: يا إيليا هل لك أن تقص علينا شيئا من أخبار مملكتكم وقومكم خصوصا حروبكم مع الفرس التي سمعت بعضها؟ فإنني أرى عندكم مملكة عظيمة وأمما عديدة وجندا كثيفا ومدنية واسعة، فماذا صنع ولاتكم الروم حتى تقلص هذا الظل ودالت هذه الدولة؟
فسكت إيليا ولم يجب أولا؛ لأنه وجد أنه لا يليق به الكلام بهذه الشئون الداخلية مع أمير أجنبي لا يزال في حرب مع مملكته في جهات أخرى، ولكن لما آنسه لدى الأمير من رقة الجانب والرفق ومكارم الأخلاق فضلا عن معرفته أن هذا الفاتح الجديد قد حل محل الفاتح القديم، قد رأى أنه لا يخطئ إذا اغتنم هذه الفرصة لخطبة وداد رئيس الفتح الجديد، وجر النفع لصاحبه الشيخ سليمان صاحب المزرعة. فأجاب الأمير قائلا: إذا شاء الأمير دللته على شيخ جليل شهد حرب الفرس بنفسه، وزار القسطنطينية، ووقف على كل أخبارها فيستخبر الأمير منه ما يروم الوقوف عليه. فصاح الإمام عمر: أحسنت يا إيليا. جئني بهذا الشيخ الذي شهد حروب الفرس فإننا ممن يكرمون الشيوخ وهو خير المخبرين.
الفصل الثاني والعشرون
حديث سياسي للشيخ سليمان
الإمام عمر يصغي إلى ترجمة الإمبراطور هرقل وحروبه الكبرى مع الفرس، وأسباب ضعف سلطنة القسطنطينية (بزنطية أو الروم). ***
فاستنأذن إيليا حينئذ، وأعمل المهماز في شاكلة جواده قاصدا المزرعة وراء جبل الزيتون بعد أن تواعدوا على الالتقاء تحت الأرزة التي على الجبل.
ولا يقدر القلم على وصف السرور الذي حاق بالشيخ سليمان وأهل المزرعة حين عودة إيليا إليهم بعد أن يئسوا من عودته كل تلك المدة الطويلة، ولم يقفوا له على أثر مع كل بحثهم وتفتيشهم.
وقد قص إيليا على الشيخ سليمان كل ما جرى له منذ وقوعه أسيرا في أيدي العرب والتقائه بأستير وأبيها، وتركه إياها وشأنها بعد التقائها بأبيها، وفتح المدينة، وطلب رئيس الفتح الشيخ سليمان؛ ليسمع منه أخبار المملكة، وتفاصيل الحرب الكبرى التي قامت بين الإمبراطور والفرس، وأن هذه خير فرصة تغتنم للتقرب من هؤلاء الفاتحين.
فركب الشيخ سليمان مع إيليا، وقصدا الجبل، فوجدا الإمام عمر والمسلمين ينتظرونهما تحت الأرزة.
Неизвестная страница