( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ) وأعطاه النبي صل الله عليه وسلم بردته فلما كان زمن معاوية أرسل إلى كعب إن بعنا بردة رسول الله صل الله عليه وسلم فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله ( ص ) أحدا فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرة لاف درهم ونقل الملك صاحب جماة في تاريخه إنه اشتراها بأربعين ألف درهم ثم توارثها الخلفاء الأمويون والعباسيون حتى أخذها التتر وفيها كانت غزوة تبوك وهي العسرة لوقوعها في زمن الحر والبلاد مجدبة والناس في عسرة فانفق أبو بكر جميع ماله وأنفق عثمان نفقة عظيمة وسار النبي صل الله عليه وسلم إلى تبوك واستخلف عليا رضي الله عنه فقال علي أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال ألا ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه ليس نبي بعدي وتخلف عبد الله بن أبي المنافق ومن تبعه من أهل النفاق وتخلف ثلاثة من الصحابة وهم كعب بن مالك ومرارة بن ربيع وهلال بن أمية ولم يكن لهم عذر ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن أقام بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها وكتان إذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله ( ص ) علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى ثم جاء كعب وكانت تقدمه مرارة وهلال فسألهم عن سبب تخلفهم فاعترفوا أن لا عذر لهم فأمرهم بالمضي جتى يقضي الله فيهم ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم من بين من تخلف عنه فاجتنبهم الناس فلبثوا على ذلك خمسين ليلة ولما مضت أربعون ليلة من الخمسين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باعتزال نسائهم وجاءت امرأة هلال إلى النبي ( ص ) تستأذنه في خدمته فأذن لها من غير أن يقربها فلما كملت لهم خمسون ليلة من حين نهي رسول الله صل الله عليه وسلم عن كلامهم أذن رسول الله ( ص ) بتوبة الله عليهم وذهب الناس يبشرونهم وجاء كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم عليه فقال له - وهو يبرق وجهه من السرور - أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك فقال أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال لا بل من عند الله وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ( لقد تاب الله عل النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال كعب فو الله ما أنعم الله علي بنعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى ( ^ سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن الله لا يرض عن القوم الفاسقين ) وفي ذي القعدة من سنة تسع هلك رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول والله أعلم ( حج أبى بكر الصديق رضي الله عنه بالناس ) بعث النبي صل الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه في سنة تسع ليحج بالناس ومعه عشرون بدنة لرسول الله ( ص ) ومعه ثلاثمائة رجل فلما كان بذي الحليفة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره بقراءة آيات من أول سورة براءة عل الناس وأن ينادي إن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فسار أبو بكر رضي الله عنه أميرا على الموسم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يؤذن ببراءة يوم الأضحى وأن لا يحج مشرك ولا يطوف عريان ثم دخلت السنة العاشرة من الهجرة الشريفة وفيها كان قدوم الوفد عل رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة وجاءته وفود العرب قاطبة ودخل الناس في الدين أفواجا كما قال الله تعالى ( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) فقدم عليه وفد بني تميم ووفد عبد القيس ووفد بني حنيفة وغيرهم وفشا الإسلام في جميع القبائل وفيها توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول ( حجة الوداع ) خرج النبي صل الله عليه وسلم حاجا لخمس بقين من ذي العدة وقد اختلف في حجة هل كان قرانا أم تمتعا أم أفرادا قال صاحب حماه والأظهر الذي اشتهر إنه كان قارنا وحج رسول الله ( ص ) بالناس ولقى علي بن أبي طالب رضي الله عنه محرما فقال حل أصحابك فقال إني أهللت بما أهل به رسول الله ( ص ) فبقي عل إحرامه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهد عنه وعلم رسول الله ( ص ) الناس مناسك الحج والسنن ونزل قوله تعالى ( ^ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وأخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فبكى أبو بكر رضي الله عنه لما سمعها وكأنه استشعر بأن ليس بعد الكمال إلا النقصان وإنه قد نعيت إلي رسول الله صل الله عليه وسلم وخطب رسول الله ( ص ) للناس بعرفة خطبة بين فيها الأحكام ومنها أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر وإن الزمان قد استدار كهيئه يوم خلق الله السماوات والأرض وإن عد الشهور عند الله اثنا عشر شهرا وتمم حجة وسميت حجة الوداع لأنه لم يحج بعدها ولم يحج من المدينة إلى مكة غير حجة الوداع ثم رجع رسول الله ( ص ) إلى المدينة وأقام بها حتى خرجت السنة وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم تسعة عشر غزوة قاتل في تسع منها وهذه الغزوات غير السرايا ثم دخلت السنة الحادية عشر من الهجرة الشريفة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان قد قدم من حجة الوداع فأقام بها حتى خرجت سنة عشر والمحرم ومعظم صفر من سنة إحدى عشرة والله سبحانه وتعال أعلم ( ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم ) قال تعالى ( ^ إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم بدأ برسول الله صل الله عليه وسلم مرضه الذي مات يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بيت ميمونة ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة رضي الله عنها وعن ابن عباس قال لما احتضر رسول الله صل الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي ( ص ) هلموا اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فقال بعضهم إن رسول الله صل الله عليه وسلم قد ثقل عليه الوجع وعندكم القرن حسبنا كتاب الله ثم اختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا له يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ومنهم من بقول غير ذلك فلما اكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صل الله عليه وسلم قوموا فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ( ص ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم وعن عائشة رضي الله عنها قالت دعا النبي ( ص ) فاطمة عليها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشئ فبكت ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت فسألناها عن ذلك فقالت سارني النبي صلى الله عليه وسلم إنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكت ثم سارني فأخبرني إني أول أهله لحوقا به فضحكت ولما ثقل وجع النبي صل الله عليه وسلم جاءه بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر أن يصلي الناس فقالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أن أبا بكر رجل أسيف وإنه مت يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فقالت عائشة لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر قال إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فقام يتهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه حسنه ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله ( ص ) فجاء إلى رسول الله ( ص ) حتى جلس عن يساره فكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله ( يصلي قاعدا يقتدي يقتدي أبوبكر رضي الله عنه بصلاة رسول الله صل الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه وعن عائشة رضي الله عنها كانت تقول إن من نعم الله علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وبين سحري ونحري وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه وعرفت إنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فناولته له فاشتد عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته وبين يديه ركوة أو علبة وفيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول لا إله إلا الله أن للموت سكرات ثم نصب يده الكريمة فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صل الله عليه وسلم يقول - وهو صحيح - إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقامه في الجن ثم يخير فلما نزل به ورأسه عل فخذي غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال اللهم الرفيق الأعلى فقلت إذا لا يختارنا فعرفت إنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح قالت وكان آخر كلم تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سن ونزل عليه جبريل عليه السلام أربعا وعشرين أل مرة ولما مات قالت فاطمة رضي الله عنها وا أبتاه أجاب ربا دعاه وا أبتاه من جن الفردوس مأواه وا أبتاه أتى جبريل ينعاه فلما دفن قالت يا أنس أطابت نفوسكم أن تحثوا عل نبيكم التراب ولما توفي دهش الناس وطاشت عقولهم واختلفت أحوالهم في ذلك فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قال إن رسول الله صل الله عليه وسلم مات علوت برأسه بسيفي هذا وإنما ارتفع إلى السماء فقرأ أبو بكر رضي الله عنه ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) فرجع القوم إلى قوله وبادروا إلى سقيفة بني ساعدة فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس خلا جماعة وغسله صل الله عليه وسلم علي والعباس وأبناه الفضل وقثم وغسلوه وعليه قميصه لم ينزع وكان علي بن أبي طالب يحضنه إلى صدره والعباس يصب الماء وكفن في ثلاث أثواب بيض سحولية وصلى عليه المسلمون أفرادا لم يؤمهم أحد وحفر له أبو طلح الأنصاري ودفن في الموضع الذي توفاه الله فيه وكانت وفاته يوم الاثنين وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء ودفن في ليلة الأربعاء في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة الشريفة وكان مرضه ثلاثة عشر ليلة قال أنس بن مالك رضي الله عنه لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني المدينة - أضاء منها كل شئ فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شئ ورثاه جماعة منهم أبو بكر وعلي وفاطمة وعمته صفية رضي الله عنهم أجمعين والله سبحانه وتعالى أعلم ( ذكر صفاته صل الله عليه وسلم ونبذة من معجزاته ) كان صلى الله عليه وسلم مليح الوجه حسن الخلق معتدل القامة ليس القصير ولا بالطويل أبيض اللون مشرب بحمرة يتلألأ وجهه كتلألؤ القمر ليلة البدر كث اللحية واسع الجبين بعيد ما بين المنكبين لم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب بين كتفيه خاتم النبوة ريح عره أطيب من ريح المسك الأذفر يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله وأما معجزاته صل الله عليه وسلم فأفضلها القرن الكريم الذي أعجز الفصحاء وأخرس البلغاء ومنها انشقاق الصدر والتئامه ومنها انشقاق القمر فرقتين ومنها نبع الماء من بين أصابعه وتكثر الطعام ببركته وكلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته وسلام الحجر والشجر عليه وجنين الجذع إليه وتسبيح الحصا في كفه وغير ذلك مما لا يعد ولا يحص ولا يحاط به ولا يستقصي ومن ذا يحيط بالبحر الزاخر ولو أجهد نفسه أناء الليل وأطراف النهار وكان صل الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها وإلا أن تنتهك حرمات الله تعالى فينتقم لله وكان أحسن الناس خلقا وأرجحهم علما وأعظمهم عفوا وأسخاهم كفا أوسعهم صدرا وأصدقهم لهجة وكان أشد حياء من العذراء في خدرها وإذا كره شيئا عرف في وجهه ولا يجزي بالسيئة السيئ ولكن يعفو ويصفح وكان يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله ويجيب الدعوة ويقبل الهدي ويكافئ عليها ويأكل منها ولا يأكل الصدقة ويعود المريض ويشهد الجنائز متواضعا يمزح ولا يقول إلا حقا يضحك من غير قهقه وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه أثم أو قطيع رحم فيكون أبعد الناس عن ذلك مولده بمكة هجرته بطيبة وملكه بالشام ارأف وخيرهم ولا ترتفع في مجلسه الأصوات ؟ ؟ إذا قام من مجلسه قال سبحانه اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك طويل الصمت لا يتكلم في غير حاج وأحب الطعام إليه ما كثرت عليه الأيدي وإذا وضعت المائدة قال بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعيم الجنة وإذا فرغ قال اللهم لك الحمد أطعمت وأسقيت وأريت لك الحمد غير مكفور ولا مد ودع ولا مستغنى عنه ربنا وكان يشرب في ثلاث دفعات له فيها ثلاث تسميات وفي آخرها ثلاث تحميدات وكان يعجبه الثياب الخضر وأكثر ثيابه البياض ويقول ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم وكان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه وكان زاهدا في الدنيا مات ولم يخلف دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا وعرض عليه أن تجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال لا يا رب أجوع يوما ؟ وأشبع يوما فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك وكان صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين وتاه الله علم الأولين والآخرين وفضله عل سائر الخلق أجمعين ولا يحص أحد مناقبه من العالمين صل الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وعل أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين ( ذكر أزواجه صل الله عليه وسلم ) أول من تزوج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ثم سودة بنت زمعة ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ثم زينب بنت خزيمة وكانت تدعى أم المساكين لرأفتها بهم ومكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت وقد بلغت ثلاثين سنة ودفنت بالبقيع ولم يمت من أزواجه في حياته إلا هي وخديجة رضي الله عنهما ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة ثم زينب بنت جحش وكان إسمها بره فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب وكانت قبله عند زيد بن حارثه مولاه فطلقها فلما زوجها الله تعال إياه من السماء وهي التي قال الله تعال فيها ( ^ فلما قضي زيد منها وطرأ زوجناكما ) وأولم عليها وأطعم المساكين خبزا ولحما وفها نزلت آية الحجاب وكانت كثيرة الصدقة والإيثار رضي الله عنها ثم جويرية بنت الحارث وكان اسمها بره فسماها جويرية ثم أم حبيب واسمها رملة بنت أبي سفيان أصدقها عنه النجاشي - كما تقدم - ثم صفية بنت حي من سبي خبير اصطفاها لنفسه وتزوجها وجعل عتقها صداقها - كما تقدم - ثم ميمون بنت الحارث وكان اسمها برة فسماها ميمونة وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء نساؤه المدخول بهن إحدى عشرة امرأة ومات عن تسع منهن وتزوج وخطب صلى الله عليه وسلم نساء غير هؤلاء ولكن لم يدخل بهن فمنهن أسماء بنت النعمان الجونية تزوج بها ثم فارقها فقيل إن سبب فراقها إنه لما دخلت عليه قالت أعوذ بالله منك فقال لها قد عذت بعظيم أو بمعاذ إلحقي بأهلك وطلقها فكانت تسمى نفسها بالشقية وقيل إن صاحبة هذه القصة امرأة غير أسماء هذه وخولة بنت الهذيل زوجها رسول الله صل الله عليه وسلم فماتت في الطريق قبل وصولها إليه وأم شريك هي عرفة بنت دودان تزوجها ولم يدخل بها وصفية بنت هشام العبدية وشراف الكلبية أخت دحية والعالية الكلابية روي إنها مكثت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم طلقها وسبا السلمي ماتت قبل أن يصل إليها وقتيلة بنت قيس الكندية قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجها إليه من اليمن وعمرة بنت يزيد الكلابية طلقها وضباعة بنت عامر القسيرية خطبها ثم أمسك وليلى بنت الحطيم الاوسية تخطت منكبه وهو غافل فقال من هذه أكلها الأسد ؟ فقالت أنا ليلى بنت الحطيم بن مطعم الطير قد جئتك أعرض عليك نفسي فقال قد قبلتك فرجعت إلى أهلها فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضرائر وأنت امرأة غيورة ولسنا نأمن أن تغيظيه فيدعوا عليك فاستقيليه فأتته فأقالها فدخلت بعد ذلك حيطان المدينة فشد عليها الأسد فأكلها وأما سراريه فكن أربعا مارية بنت شمعمون القبطية أهداها له المقوقس صاحب مصر وريحانة بنت شمعون النضيرية وأخرى جميلة أصابها في السبي وجارية وهبتها له زينب بنت جحش وتقدم ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم ( ذكر الأسود العنسى ومسيلمة وسجاح وطليحة وما جرى منهم ) أما الأسود فاسمه عبهلة وهو ممن ارتد وتنبأ وكان من الكذابين وكان باليمن وادعى النبوة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أشهر فلما بلغه صلى الله عليه وسلم ذلك أرسل إلى نفر من اليمن يأمرهم بقتله فقتلوه وأرسلوا إلى رسول الله ( ص ) بخبره فسبق خبر السماء فأخبر الناس بذلك قبل وفاته بقليل ووصل الكتاب الأسود في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكان كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وكان قتله قبل وفاة النبي ( ص ) بيوم وليلة وأما مسيلمة فإنه عل رسول الله صل الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة ثم ارتد وادعى النبوة وتسمى رحمان اليمامة وخاف أن لا يتم له مراده فقال إن محمدا قد أشركني معه وشرع يسجع لقومه ويضاهي القرآن وذلك في حياة النبي ( ص ) وكانت له فتنة فاحشة وقتله أبو بكر رضي الله عنه في خلافته وكان وحشي قاتله بالحربة التي قتل بها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وشاركه في قتله رجل من الأنصار وأما سجاح بنت الحارث النميمية كانت قد ادعت النبوة في اردة وتبعها جماعة وقصدت قتال أبي بكر ثم ذهبت إلى اليمامة واجتمعت بمسيلمة وتزوجت به وتنقلت بها الأحوال إلى زمن معاوية فأسلمت وحسن إسلامها وانتقلت إلى البصرة وماتت بها واما طليحة الأسدي فإنه ادع النبوة وتبعه وقوى أمره وقاتله خالد بن الوليد في اردة ثم أسلم وخرج نحو مكة معتمرا في خلافة أبي بكر ( رض ) وقاتل في الفتوحات فقتل يوم وقعة نهاوند مع الأعاجم في سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر رضي الله عنه ( فضل الصلاة على رسول الله صل الله عليه وسلم وكيفيتها ) روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة لا تنبغي إلا لعبد واحد وأرجو أن أكون أنا فمن سأل الوسيلة حلت له الشفاعة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شئ حتى تصل عل نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فإذا فعلت اخرقت الحجب ودخل الدعاء وإن لم تفعل ذلك رجع الدعاء وعنه صلى الله عليه وسلم إنه قال إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي صلاة وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال حدثني رسول الله ( ص ) وعدهن في يدي قال عدهن في يدي جبريل عليه السلام وقال جبريل هكذا أنزلت بهن من عند رب العزة اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك أنت حميد مجيد اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وسلم عل محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعن أبي بكر رضي الله عنه إنه قال الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب قال ابن الفاكهاني قلت إنما كان أفضل من عتق الرقاب - والله أعلم - لأن عتق الرقاب في مقابلة العتق من النار ودخول الجنة والسلام عليه في مقابلة سلام الله تعال وسلام من الله أفضل من مائة ألف جنة فناهيك بها من فنسأل الله تعالى أن يرزقنا مرافقته في الجنة بمنه وكرمه وجوده وإحسانه آمين ( ذكر داب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ) وما يستجب أن يفعله الزائر ويدعو به يستحب لمن قدم المدينة الشريفة أن يغتسل قبل دخوله إليها ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويدخل بسكينة ووقار ويقول بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ويكره له الركوب في أزقتها إلا لعذر فإذا وصل إلى أحد أبواب المسجد الشريف قال اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وأغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وكف عني أبواب سخطك الحمد لله الذي بلغني هذا الموضع الشريف وجعلني أهلا لحضور هذا المسجد العظيم وزيارة قبر رسوله الكريم فالحمد لله على ذلك عدد نعمه التي لا تحصى وافضاله الذي لا يستقصي ولا يفنى ثم يقدم رجله اليمنى قللا ويقول بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومن الله والي الله وفي سبيل الله وعل ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وكذا يتلو إذا خرج ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي المنبر مستديما للذكر والثناء والصلاة عل رسول الله صل الله عليه وسلم فيصلي عنده ركعتين تحية المسجد ويتحرى لصلاته جانب المنبر تجاه صندوق المصاحف ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف النبي صل الله عليه وسلم الذي كان يؤم الناس فيه ثم يقول بعد فراغهما الحمد لله الذي بلغني هذا المكان ووفقني لاتيانه وأوصلنيه في يسر وعافية اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام والطول والأنعام فلك الحمد ملئ السماوات والأرض وملئ ما شئت من شيء بعد ويأتي القبر الشريف من باب المقصورة القبل فإذا وصل المقصورة استقبل وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يستدير القبلة ويستقبل جدار القبر الشريف عل نحو أربعة أذرع من السارية التي في زاوية المقصورة ويجعل القنديل على رأسه ولا يمس الجدار بيده ولا بشيء من بدنه ويقف متأدبا بين يديه كما لو كان حيا مظهرا لاحترامه ويستحضر في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عالم بحضوره وقيامه تجاهه وسلامه عليه وإنه يجيب من سلم عليه من بعيد فكيف من قريب ويسلم على رسول الله صل الله عليه وسلم ويصلي عليه وقد ورد أشياء كثيرة في صفة السلام عليه فأيها فعل أجزاءه ثم يتقدم يسيرا فيقف ويسلم على خليفته سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم يتقدم يسيرا فيسلم عل أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ما يسر الله له ويصلي عند المنبر أيضا ثم يدعو عند انصرافه فيقول اللهم إني أتيت قبر نبيك صل الله عليه وسلم متقربا إليك بزيارته متوسلا لديك به وأنت قلت وقولك الحق ولا تخلف الميعاد ( ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) اللهم أجعلها زيارة مقبول وسعيا مشكورا وعملا منقبلا مبرورا ودعاء تدخلنا به جنتك وتسبغ علينا رجمتك اللهم اجعل سيدنا محمدا انجح السائلين وأكرم الأولين والآخرين اللهم كما آمنا به ولم نره وصدقناه ولم نلقه فأدخلنا مدخله واحشرنا محشره وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعدها أبدا ويستحب له زيارة البقيع فيبدأ بقبر سيدنا إبراهيم بن رسول الله ( ص ) فيزوره ويزور قبر العباس وعثمان بن عفان والحسن بن علي وبنات رسول الله صل الله عليه وسلم وغيرهم ويستحب زيارة ما بتلك الأرض الشريفة من الأماكن المشهورة ثم إذا قصد الذهاب إلى وطنه اغتسل ولبس أحسن ثيابه واتى المسجد الشريف مكررا للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي القبر الشريف ويسلم عل رسول الله ( ص ) وعلى ضجيعيه ويكثر من الصلاة عليه وعليهما ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ثم يخرج غير مستدبر القبر الشريف ويبدأ برجله اليسرى قائلا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وافتح لي أبواب فضلك وحط عني أوزاري بزيارة نبيك وأحسن منقلبي إلى أهلي ووطني ببركته صلي الله عليه وسلم يا رب العالمين يا أرحم الراحمين أدخلنا في شفاعته أجمعين ( ذكر فضائل المسجد الأقصى الشريف وما ورد في ذلك ) من الآيات والأحاديث قد تقدم في أول الكتاب الكلام على أول سورة الإسراء فلو لم يكن له من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية فيه لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة وقال الله تعالى - أخبار عن نبيه موسى عليه السلام - ( وغذ قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ) أي المطهرة والتقديس هو التطهير وسم بيت المقدس مقدسا لأنه يتطهر فيه من الذنوب , وتقدم ذلك عند أسماء بيت المقدس قال ابن عباس بيت المقدس عليه الطل والمطر مذ خلق الله السنين والأيام وروي في قوله تعالى ( ^ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) قال هي الأرض المقدسة بارك الله فيها للعالمين لأن كل ماء في الأرض عذب يخرج منها من أصل الصخرة الشريفة ثم يتفرق في الأرض وقال تعالى ( إن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قيل في أحد الأقوال إنها الأرض المقدسة يرثها أمة محمد صل الله عليه وسلم وقال تعالى ( ^ وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال ابن عباس هي بيت المقدس وهو قول قتادة وكعب وقال كعب هي اقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا يعني لأن الربوة المكان المرتفع من الأرض وقال تعالى ( ^ واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ) المنادي هو اسرافيل عليه السلام ينادي من صخرة بيت المقدس بالحشر وهي وسط الأرض وروي أن المكان القريب هو صخرة بيت المقدس وقال تعال ( قي بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) يعني به بيت المقدس وقال تعالى ( ^ فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) يعني بين المؤمنين والمنافقين وهو حائط بين الجنة والنار له - أي لذلك السور - باب فيه الرحمة وهي الجنة وظاهره - أي من خارج ذلك السور - من قبله - أي من قبل ذلك الظاهر العذاب - وعن أبي العوام قال سمعت عبد الله بن عمر يقول إن السور الذي ذكره الله في القرآن بقوله ( ^ فضرب بينهم بسور له باب ) هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة المسجد وظاهره من قبلة العذاب وادي جهنم ورو الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده من حديث أمامه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم لا يزال طائفة من أمتي عل الحق ظاهرين لعدوكم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أنمر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله وأين هم ؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم أربع من مدائن الجنة مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس وعن معاذ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي من كان مولده فيك فاختار عليك غيرك فبذنب يصيبه ومن كان مولده في غيرك فاختارك فبرحمة مني يا شام اتسعي لأهلك بالرزق كما يتسع الرحم للولد وعيني عليك بالطل والمطر مذ خلقت السنين والأيام من يعدم فيك المال لا يعدم فيك الخير يا أورشلم أنت مقدسة بنوري وفيك المحشر والمنشر أزفك يوم القيام كما تزف العروس إلى بعلها ومن دخلك استغن عن الزيت والقمح وعن معاذ قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم يا معاذ أن الله عز وجل سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش إلى الفرات رجالهم ونساؤهم وإمارؤهم مرابطون إلى يوم القيامة فمن اختار منكم ساحلا من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة وعن كعب الأحبار قال قال تعالى لبيت المقدس أنت جنتي وقدسي وصفوتي من بلادي من يسكنك فبرحمة مني ومن خرج منك فبسخط مني عليه ( فضل الصلاة في بيت المقدس ) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إن سليمان عليه السلام سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه وعن مكحول قال من خرج إلى بيت المقدس لغير حاج إلا الصلاة فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه وعن كعب قال شكا بيت المقدس إلى ربه الخراب فأوح الله إليه لأملأنك خدودا سجدا يزفون إليك زفيف النسور إلى أوكارها ويحنون إليك حنين الحمام إلى بيضها فقال رجل اتق الله يا كعب وإن له لسانا ؟ قال نعم وقلبا كقلب أحدكم وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم من زار بيت المقدس محتسبا أعطاه الله أجر ألف شهيد وعنه صلى الله عليه وسلم من زار عالما فكأنما زار بيت المقدس ومن من صلى في بيت المقدس غفوت ذنوبه كلها وعن كعب الأحبار من أتى بيت المقدس فصلى عن يمين الصخرة وعن شمالها ودعا عند موضع السلسلة وتصدق بما قل أو كثر استجيب له دعاؤه وكشف الله حزنه وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإن سأل الله الشهادة أعطاه الله إياها والله أعلم ( مضاعفة الصلاة في مسجد بيت المقدس ) روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال فضلت الصلاة في المسجد الحرام عل غيره بمائة ألف صلا وفي مسجدي بألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة رواه الإمام أحمد رضي الله عنه ( مضاعفة الحسنات والسيئات في مسجد بيت المقدس ) روي عن جرير بن عثمان وصفوان بن عمرو أنهما قالا الحسنة في بيت المقدس بألف والسيئة بألف وعن الليث بن سعد عن نافع قال قال لي ابن عمر - ونحن ببيت المقدس - يا نافع اخرج بنا من هذا البيت فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات وأحرم وخرج من بيت المقدس قال العلماء معنى ذلك أن عقوبة من اقترف ذنبا في أحد المساجد الثلاثة اعظم عقوبة ممن اقترفه في غيرها لشرف هذه المساجد وفضلها والذنب الواحد في أحدها أعظم من ذنوب كثيرة في غيرها من المواضع ولذلك تضاعف فيه السيئات ومعناه تغليظ عقوبتها لا أن الإنسان يعمل ذنبا واحدا فيكتب عليه عشرة ذنوب والله تعالى يقول في كتابه العزيز ( ^ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) فقد غلظت الدية عل من قتل في الحرم أو الإحرام أو في الأشهر الحرم أو قتل ذا رحم محرم لحرمة هذه الأشياء وعظم محلها فالتعدد في المعنى من حيث إنه انتهك حرمة بيوت الله وقد قال الله تعالى ( ^ في بيوت إذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما علموا ويزيدهم من فضله ) وقد ارتكب المعصية فيها فهذا معنى التضعيف ( شد الرحال إليه ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام المسجد ألاقى ومسجدي هذا ( كراهية استقبال الصخرة ببول أو غائط ) رو أبو داود رحمه الله في سننه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقبل القبلتان ببول أو غائط وعن نافع ابن عمر قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم لا تستقبلوا واحدة من القبلتين ببول أو غائط وروي تحريم ذلك عن الشعبي ( فضل الإهلال بالحج والعمر من بيت المقدس ) عن أم سلمة زوج النبي صل الله عليه وسلم إنه سمعت رسول الله ( ص ) يقول من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى الشريف إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة وقد أحرم منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قال لوددت إني ما جئت بيت المقدس واحرم منه ابنه عبد الله رضي الله عنه أيضا والماء والرياح يخرجان من تحت صخرة بيت المقدس روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال المياه العذبة والرياح اللواقح تخرج من تحت صخر بيت المقدس وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه ولسم الأنهار أربعة سيحان وجيحان والنيل والفرات فأما سيحان فنهر بلخ وأما جيحان فدجلة وأما النيل مصر وأما الفرات ففرات الكوفة وكل ماء يشربه ابن دم فهو من هذه الأربعة ويخرج من تحت صخرة بيت المقدس وقد نقل في فضل ماء بيت المقدس وما فيه من المنفعة وإن من أراد إن يشرب ماء في جوف الليل فليقل يا ماء ماء بيت القدس يقرئك السلام ثم يشرب فإنه أمان بإذن الله عز وجل ( بيت المقدس أرض المحشر والمنشر ) عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله الصلاة في مسجدك أفضل من الصلاة في بيت المقدس ؟ قال الصلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم هو أرض المحشر والمنشر وعن كعب قال إن الكعب بميزان البيت المعمور في السماء السابعة الذي تحجه ملائكة الله تعال لو وقعت منه أحجار لوقعت عل أحجار البيت الحرام وإن الجنة في السماء السابع بميزان بيت المقدس لو وقع منها حجر لوقع عل الصخرة الشريفة ولذلك دعيت أورشلم ودعيت الجنة دار السلام وقال مقاتل بن سليمان عن بيت المقدس ما فيه موضع شبر إلا وقد صل عليه نبي مرسل أو قام عليه ملك مقرب وقال وهب بن منبه أهل بيت المقدس جيران الله وحق عل الله أن لا يعذب جيرانه وعن عبد الله بن عمر إنه قال إن الحرم لمحرم في السماوات السبع بمقداره في الأرض وأن بيت المقدس في السماوات السبع بمقداره في الأرض ( توكل الملائكة بالمسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى ) عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال ثلاث أملاك ملك موكل بالكعب وملك موكل بمسجدي وملك موكل بالمسجد الأقص فأما الموكل بالكعب فينادي في كل يوم من ترك فرائض الله خرج من أمان الله وأما الموكل بمسجدي هذا فينادي في كل يوم من ترك سنة رسول الله صل الله صلى الله عليه وسلم وأما الملك الموكل بالمسجد الأقصى فينادي في كل يوم من كانت طعمته جواما عمله مضروبا به وجهه ( فضل أسراج ببيت المقدس الشريف عند العجز عن الوصول إليه ) فإنه يقوم مقام الصلاة فيه وفضل عمارته روي عن ميمونة بنت سعد مولا رسول الله صل الله عليه وسلم إنها قالت يا رسول الله افتنا في بيت المقدس فقال أرضالمحشر والمنشر ائتون فصلوا فيه فإن كل صلاة فيه كألف صلاة قلنا يا رسول الله فمن لم يستطيع أن يصل إليه ؟ قال فمن لم يستطيع أن يأتيه فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله فإن من أهد إليه زيتا كان كمن أتاه وقال صلى الله عليه وسلم من أسرج في بيت المقدس سراجا لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام ضوؤه في المسجد وفي نبوة يحيى عليه السلام من بني في بيت المقدس بناء أو أثر فيه أثرا حسنا أو عمر فيه شيئا زاد الله في عمره خمسة عشر سنة وراد الله له من المال والولد وإن كان ملكا ملكه الله إياها - يعني الأرض ( وصفة الدجال قاتله الله - الدجال لا يدخل بيت المقدس ) روي عن الضحاك إنه قال الدجال ليس له لحية وافر الشارب طول وجهه ذراعان وقامته في السماء ثمانون ذراعا وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعا ثيابه وخفاه وسرجه ولجامه بالذهب والجواهر على رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر في يده طبرزن هيئته المجوس ترسه فارسية وكلامه الفارسية تطو له الأرض ولأصحابه طيا طيا يطأ مجامعها ويرد مناهلها غلا المساجد الأربع مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد الطور وعن عبد الله بن مسعود قال يدخل الدجال الأرض كلها إلا أربعة مساجد وأربع قرى مكة والمدينة وبيت المقدس وطور سيناء وروي نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وروى ثور عن خالد بن صفوان قال عصمة المؤمنين من المسيخ الدجال بيت المقدس وعن ربيعة بن زيد قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم لا تزالون تقاتلون الكفار حتى تقاتل بقيتكم جنود الدجال ببطن الأردن بينكم النهر أنتم غريبة وهم شرقية قال ربيعة فقال المحدث من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم فما سمعت بنهر الأردن إلا من رسول الله صل الله عليه وسلم وروي إن نبي عيسى عليه السلام يأخذ من حجارة بيت المقدس ثلاثة أحجار الأول منها يقول بسم إله إبراهيم والثاني يقول بسم إله إسحاق والثالث يقول بسم إله يعقوب ثم يخرج بمن معه من المسلمين إلى الدجال فإذا رآه انهزم عنه فيدركه عند باب لد فيرميه بأول حجر فيصيبه بين عينيه ثم الثاني ثم الثالث فيقع فيضربه سيدنا عيس عليه السلام فيقتله ويقتل اليهود حتى إن الحجر والشجر ليقولان يا مؤمن تحتي يهودي فأته فاقتله قال صل الله عليه وسلم يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم إماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ( فضل الأذان في بيت المقدس ) روي عن جابر رضي الله عنه إن رجلا قال يا رسول الله أي الخلق أول دخولا إلى الجنة ؟ قال الأنبياء قال ثم من ؟ قال الشهداء قال ثم قال مؤذنو بيت المقدس قال ثم من ؟ قال مؤذن المسجد الحرام قال ثم من ؟ قال مؤذنو مسجدي قال ثم من ؟ قال سائر المؤذنين وعن العلاء بن هارون قال بلغني أن الشهداء يسمعون أذان مؤذني بيت المقدس لصلاة الغداة يوم الجمعة وعن كعب قال لم يستشهد عبد قط في بر ولا بحر إلا وهو يسمع أذان مؤذني بيت المقدس وإنه يسمعع أذان مؤذني بيت المقدس من السماء ( فضل الصدقة في بيت المقدس ) روي عن الحسن البصري رضيالله عنه إنه قال من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان له براءة من النار ومن تصدق برغيف كان كمن تصدق بجبال الأرض ذهبا ( فضل الصيام فيه والإستغفار ) روي عن كعب إنه قال من صام يوما ببيت المقدس أعطاه الله براء من النار ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدسس ثلاثمرات كتب له مثل جميع حسنات المؤمنين والمؤمنات ودخل عل كل مؤمن ومؤمنة من دعائه في كل يوم وليلة سبعون مغفرة ( فضل الدفن في بيت المقدس ) قد سأل موسى عليه السلام ربه أن يدينه من الأرض المقدسة رمية حجر وتقدم ذكر ذكل عند ذكره عليه السلام وعن كعب أن ببيت المقدس ألف قبر من قبور الأنبياء عليهم السلام وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال من مات ببيت المقدس فكأنما مات في السماء ( فضل الصخرة ) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال صخرة بيت المقدس من صخور الجنة وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة عل نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابن عمران ينظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول سيد البقاع بيت المقدس وسيد الصخور صخرة بيت المقدس وعن أم عبد الله ابنة خالد بن سعدان عن أبيها لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة فيتعلق بها جميع من حجها واعتمرها فإذا رأتها الصخرة قالت مرحبا بالزائرة والمزورة وروي إن الله عز وجل يجعل الصخرة يوم القيامة مرجانه بيضاء ثم يبسطها عرض السماء والأرض ( فضل الصلاة عن يمين الصخرة ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صليت ليلة اسري بي إلى بيت المقدس عن يمين الصخرة قال المشرف ولم يختلف اثنان إنه عرج به من عند القبة التي يقال لها قبة المعراج ( البلاطة السوداء ) ( وهي التي من داخل الباب الشامي من أبواب الصخرة ويعرف هذا الباب بباب الجنة ) حكي إنه رؤي الخضر عليه السلام يصلي هناك والله أعلم ويقال إن قبر سليمان عليه السلام بهذا الباب وتقدم عند ذكر وفاته ما قيل إن قبره ببيت المقدس عند الجيسمانية وإنه هو وأبوه داود في قبر واحد ( اليمين عند الصخرة ) حكي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إنه أمر أن يحمل عمال سليمان بن عبد الملك يستخلفون عند الصخرة فحلفوا إلا رجلا واحدا افذى يمينه بألف دينار يقال لله أهيب بن جندب فما حال عليهم الحول حتى ماتوا والله أعلم ( فضل الصخرة ليلة الرجفة ) روى أبو عمير عن جندب عن رستم الفارس يقال أتت الرجفة فقيل لي قم فإذن فاستهنت بذلك ثم أتت الثانية فقيل لي قم فإذن فاستهنت بذلك ثم أتت الثالثة فانتهزت انتهاز شديدة وقيل لي قم فإذن فأتيت المسجد فإذا الدور قد تهدمت قال فخرج لي بعض حراس الصخرة فقال لي إذهب فأتني بخير أهلي وتعال حتى أخبرك بالعجب قال فأتيت منزله فإذا هو قد هدم فرجعت فأعلمته فقال لي لما كان من الأمر ما كان أتي إليها فحملت حتى ى نظرنا إلى السماء والنجوم ثم أعيدت فسمعناهم يقولون ساووها عدلوها حتى أعيدت على حالها ورواه عبيد الله بن محمد القرماني عن ضمرة عن رستم بنحوه وفيه أنا لذي خرج إليه رجل متن حراس الصخرة الشريفة وكان على كل باب عشرة وفيه لما أخيره عن أهله قال لم نعلم في أول الليل إلا وقد قلعت القبة من موضعها حتى بدت لنا الكواكب فلما كان قبل مجيئك سمعنا حفيفا وحبكة ثم سمعنا قائلا يقول ساووها عدلوها ثلاث مرات فأعيدت على حالها ورو الوليد بن حماد عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أن أبا عثمان الأنصاري كان يحيي الليل بعد انصرافه من القيام في شهر رمضان عل البلاطة السوداء قال فبينما هو قائم في الصلاة حتى سمع صوت الهد في المدينة وصراخ الناس واستغاثتهم وكانت ليلة باردة مظلمة كثيرة الرياح والأمطار قال سمعت قائلا يقول - اسمع الصوت ولا أرى الشخص - ارفعوها رويدا بسم الله فقلعت القبة عليا حتى تبدي لنا بياض السماء والنجوم فأصاب وجهه من رش المطر حتى أذن رستم الفارسي فسمع قائلا يقول ردوها رويدا بسم الله ساووها عدلوها فردت القبة على ما كانت عليه وكان هذا في الرجفة الأولى وكانت هذه الرجفة في شهر رمضان سن ثلاثين ومائة والله سبحانه وتعالى أعلم ( نبذة مما ذكر من فضائل بيت المقدس الشريف المعظم ) قد تقدم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال أربع من مدائن الجنة مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس وروى المشرف بسنده عن عمران بن الحصين قال قلت يا رسول الله ما أحسن المدينة قال لو رأيت بيت المقدس قال قلت أهي أحسن منها ؟ فقال كيف لا تكون أحسن منها وكل من فيها يزار ولا يزور وتهدي إليه الأرواح ولا يهدي روح بيت المقدس لغيرها إلا أن الله أكرم المدينة الشريفة وطيبها بي وأنا فيها حي وأنا فيها ميت ولولا ذلك ما هاجرت من مكة فإني ما رأيت القمر في بلاد قط إلا وهو بمكة أحسن وروي أن موسى عليه السلام نظر وهو ببيت المقدس إلى نور رب العزة ينزل ويصعد إلى بيت المقدس وعن كعب قال باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ينزل منه النور والرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة والطل الذي على بيت المقدس شفاء من كل داء لأنه من الجنة وعن مقاتل بن سليمان إن كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى مسجد بيت المقدس يهللون الله ويسبحون ويقدسونه ويحمدونه لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس وقال كعب إن الله ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين وقال أنس بن مالك رضي الله عنه إن الجنة لتحن شوقا إلى بيت المقدس وبيت المقدس من جنة الفردوس والفردوس بالسريانية البستان وقيل الكرم وعن خالد بن معدان إن حذو بيت المقدس باب من السماء يهبط منه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون لمن يجدونه يصلي فيه وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك وقال مقاتل إن اله تعالى تكفل لمن سكن بيت المقدس بالرزق إن فاته المال ومن مات مقيما محتسبا في بيت المقدس فكأنما مات في السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات في بيت المقدس وأول أرض بارك الله فيها بيت المقدس والأرض المقدسة التي ذكرها الله في القرآن فقال ( ^ إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) هي أرض بيت المقدس وكلم الله موسى في أرض بيت المقدس وتاب الله عل داود وسليمان عليهما السلام في أرض بيت المقدس ورد الله على سليمان ملكه في بيت المقدس وبشر الله زكريا بيحي في بيت المقدس وسخر الله لداود الجبال والطير في بيت المقدس وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقربون القرابين ببيت المقدس وتتغلب يأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس ويهلكهم الله في أرض بيت المقدس وينظر الله كل يوم بخير إلى بيت المقدس وأوصى إبراهيم وإسحاق عليهما السلام لما ماتا أن يدفنا بأرض بيت المقدس أولي العزم والتمكن وشد عضده ببقائهم وأقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم اللهم كما أجريت على يده في الإسلام هذه الحسنة التي تبقى عل الأيام وتتجدد عل ممر الشهور والأعوام فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفد في دار المتقين وأوجب دعاءه في قوله ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعل والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) ثم دعا بما جرت به العادة ونزل وصلى ولما قضيت الصلاة انتشر الناس وكان قد نصب سرير الوعظ تجاه القبلة فجلس عليه الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن نجا الأنصاري الحنبلي المعروف بابن نجية وعقد مجلسا للوعظ وكان واعظا حسنا بليغا وصل السلطان الجمعة في قبة الصخرة وكانت الصفوف ملئ الصحن ثم رتب في المسجد الأقصى الشريف خطيبا وكان الملك العادل نور الدين الشهيد قد عزم على فتح بيت المقدس وعمل منبرا بحلب وتعب عليه مدة وقال هذا لأجل القدس فأدركته المنية وكان الفتح عل يد من أراد الله فأرسل السلطان صلاح الدين من أحضر المنبر من حلب وجعله في المسجد الأقصى وهو الموجود في عصرنا هذا وأما الصخرة فقد كان الإفرنج بنوا عليها كنيسة ومذبحا وجعلوا فيها الصور والتماثيل فأمر السلطان بكشفها ونقض البناء المحدث فيها وأعادها كما كانت ورتب لها إماما حسن القراءة ووقف عليها دارا وأرضا وحمل إليها وإلى محراب المسجد الأقصى مصاحف وختمات وربعات شريفة ورتب للصخرة والمسجد الأقصى خدمة وكان الإفرنج قد قطعوا من الصخرة قطعة وحملوا منها إلى قسطنطينية ونقلوا منها إلى صقلية قيل باعوها بوزنها ذهبا ولما فتح السلطان القدس كان عل رأس قبة الصخرة صليب كبير مذهب فتسلق المسلمون وقلعوه فسمع لذلك ضجة لم يعهد مثلها من المسلمين للفرح والسرور وأوصى آدم عليه السلام لما مات بأرض الهند إن يدفن ببيت المقدس وأوتيت مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء في بيت المقدس وولد عيسى عليه السلام وتكلم في المهد في بيت المقدس أنزلت عليه المائدة في أرض بيت المقدس ورفعه الله إلي السماء من بيت المقدس وينزل من السماء إلى الأرض ببيت المقدس وماتت مريم عليها السلام ببيت المقدس وهاجر إبراهيم عليه السلام من كوثا إلى بيت المقدس وصلى النبي صلى الله عليه وسلم زمانا إلى بيت المقدس وأسري به إلى بيت المقدس وتكون الهجرة في آخر الزمان إلى بيت المقدس والمحشر والمنشر إلى بيت المقدس والحساب يوم القيامة إلى بيت المقدس وينصب الصراط على جهنم إلي الجنة ببيت المقدس وينفخ اسرافيل في الصور ببيت المقدس والحوت الذي الأرضون عل ظهره رأسه في مطلع الشمس وذنبه بالمغرب ووسطه تحت بيت المقدس ومن صلى في بيت المقدس فكأنما صل في سماء الدنيا وتخرب الأرض كلها وتعمر بيت المقدس ومن صبر في بيت المقدس سنة على لأوائها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن تحته ومن فوقه يأكل رغدا ويدخل الجنة إن شاء الله تعالى وأول بقعة بنيت من الأرض كلها موضع صخرة بيت المقدس وتظهر عين موسى في آخر الزمان ببيت المقدس وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيار أمتي من هاجر هجرة بعد هجرة إلى بيت المقدس ومن ببيت المقدس بعد أن توضأ واسبغ الوضوء ركعتين أو أربعا غفر لهما كان قبل ذلك وقال النبي صل الله عليه وسلم لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه النجاء النجاء إلى بيت المقدس إذا ظهرت الفتن قال يا رسول الله فإن لم أدرك بيت المقدس قال فابذل أحرز دينك وفي لفظ آخر فابذل مالك واحرز دينك وقال علي رضي الله عنه لصعصعة نعم المسكن عند ظهور الفتن بيت المقدس القائم فيه كالمجاهد في سبيل الله وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم ليتني تبنة في لبنة من لبنات بيت المقدس أحب الشام إلى الله تعال بيت المقدس أحب جبالها إليه الصخرة وهي خر الأرض خرابا بأربعين عاما قال وهي روضة من رياض الجنة وروي عن يحي بن أبي عمرو الشيباني إنه قال لا تقوم الساعة حتى يضرب على بيت المقدس سبعة أحياط حائط من فضة وحائط من ذهب وحائط من لؤلؤ وحائط من ياقوت وحائط من زمرد وحائط من غمام وأما ما يقال أن بيت المقدس طشت من ذهب مملوء عقارب وإنه كأجمة الأسد فداخله أما أن يسلم وأما أن يدركه العطب فقد حمل ذلك عل زمان بني إسرائيل الذين كانوا يعملون فيه بمعاصي الله تعال فإن اللفظ المذكور قيل إنه مكتوب في التوراة قال بعض العلماء وظاهر الخطاب يدل عل إنهم - يعني العقارب - كانوا موجودين في ذلك الوقت ولو أراد قوما من هذه الأمة قال املؤها عقارب جتى يكون للمستقبل والله أعلم وأما اليوم فالحمد له فإنما وبأ فنائه الطائفة المنصورة - كما تقدم _ وعن أبي عمرو الشيباني قال ليس يعد من الخلفاء إلا من ملك المسجدين المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس الشريف وقد أجمعت الطوائف كلها على تعظيم بيت المقدس ما عدا السامرة فإنهم يقولون إن القدس جبل نابلس وخالفوا جميع الأمم في ذلك وقد كان بنو إسرائيل إذا نزل بهم خوف من عدو أو أجدبوا صوروا القدس وجعلوه هيكلا وصوروا أبوابه ومحاربيه واستقبلوا به العدو فيهزمه الله تعالى وكذلك في الجدب إذا صوروه واستقبلوا به فلا تزال السماء تمطر عليهم حتى يرفعوا الهيكل وكانوا يفعلون ذلك في كل أمر مهم يدهمهم والله سبحانه وتعالى أعلم ( ذكر ما يستحب أن يدعى به عند دخول المسجد الشريف ) والصخرة الشريف وآداب دخولها ومن أي باب يدخلها يستحب لمن أراد دخول المسجد أن يبدأ برجله اليمن ويؤخر اليسرى ويقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك , وإذا خرج صل على النبي ( ص ) وقال اللهم أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ويستحب لمن أراد الدخول للصخرة الشريفة أن يجعلها عن يمينه حتى يكون بخلاف الطواف حول البيت الحرام ويقدم النية ويعقد التوبة بالإخلاص مع الله تعالى وإن أحب أن ينزل تحت الصخرة الشريفة في المغارة فليفعل فإذا نزل يكون بأدب وخشوع ويصلي ما بدا له ويدعو بدعاء سليمان عليه السلام الذي دعا به لما فرغ من بنائه وقرب القربان وهو قوله اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر ذنبه أو ذي ضر فاكشف ضره ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ويجتهد في الدعاء تحت الصخرة فإن الدعاء في ذلك الموضع مقطوع له بالإجابة إن شاء الله تعال وحكي جماعة من العلماء إن الأدعية التي يدعي بها ليس فيها خصوصية بهذا الموضع فإن الإنسان مأمور بالدعاء موعود عليه بالاستجابة لقوله تعالى ( ^ وقال ربكم أدعوني استجيب لكم ) وقوله تعال ( ^ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) والمراد من الأدعية ما وردت به السنة الشريفة النبوية فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال لأبي عياش زيد بن الصامت الزرقي حين رآه يصلي ويقول اللهم إني أسألك يا ذا الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرضي اذا الجلال والإكرام فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ومن ذلك ما رواه عبيد الله بن زيد عن أبيه أن رسول الله صل الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ومن ذلك ما روي عنه صل الله عليه وسلم إنه كان يدعو به ويقول إنه لن يدعو به ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح إلا كان من الدعاء المستجاب اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما علمت أن الحياة خير لي وتوفني ما علمت أن الوفاة خير لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع وبرد العيش بعد الموت أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وروي أن إدريس النبي صل الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوة ويأمر أن لا يعلموها السفهاء فيدعوا بها فكان يقول يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول لا إله إلا أنت ظهر اللاجيئن وجار المستجيرين ومأ من الخائفين اللهم إن كنت كنبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مقترا علي في رزقي فامح اللهم فضلك شقاوتي وحرماني وإقتار رزقي وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات مستورا مكفيا مؤنة من يؤذيني إنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل عل لسان نبيك المرسل ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وقد رأيت منقولا إنه يستجيب الدعاء بهذا في ليلة النصف من شعبان وقد ورد في الأخبار والأحاديث غير ذلك والمراد هنا الاختصار والله الموفق المهدى للصواب ( ذكر الفتح العمري ) الذي يسره تعالى على يد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمارة المسجد الأقصى الشريف عل يده روي عوف بن مالك قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم أعدد ستا بين يدي الساعة موتي قال فوجمت عندها وجمة قال قل إحدى ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يكون فيكم كقصاع الغنم واستفاضة المال فيكم حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل لها ساخطا ثم تكون فيكم فتنة فلا يبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بين بني الأصفر فيغدرون بكم ثم يأتونكم في ثمانين غاية كل غاية اثنا عشر ألفا قوله فوجمت وجمة قال الجوهري الرجم الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام والموتان - بضم الميم وسكون الواو - وهو الموت الكثير السريع وقوعه ولذلك شبهه النبي صل الله عليه وسلم بقعاص الغنم فهو داء يأخذها لا يلبثها أن تموت والقعص عن يضرب الإنسان فيموت مكانه سريعا فقيل لهذا الداء قعاص لسرعة الموت ثم شبه به الموتان وعن عوف قال أتيت صل الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال لي يا عوف أعدد ستا بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس وروى إنه صلى الله عليه وسلم قال لشداد بن أوس ألا أن الشام ستفتح وبيت المقدس سيفتح إن شاء الله تعالى وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها إن شاء الله تعالى ثم إن الست المذكورة قد وقع بعضها فموته صل الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس قد وجد ووقع الطاعون وهم بالجابية ويقال إنه الطاعون عموس الواقع في سنة ثمانية عشر من الهجرة الشريفة ثم استفاض المال في خلافة عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال الوليد بن مسلم قال سعيد بن عبد العزيز زاد عثمان للناس عامة الديوان مائة دينار بزيادة دينار في عطائهم وكانت الفتنة وهي قتل الوليد وما وقع بين الناس بالشام والعراق وخراسان من الفرقة والعصبة ولا تزال متتابعة حتى تقع هدنة الروم ولما توفي رسول الله صل الله عليه وسلم استقر الامام أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده في الخلافة واسمه عبد الله ولقبه عتيق الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التميمي يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب القرشي وهو أول خليفة في الإسلام وكان يدعى خليفة رسول الله ( ص ) له المواقف الرفيعة في الإسلام ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمهد به الإسلام وأعز به الدين وذلك أنه لما حضرته الوفاة شاور الصحابة في ذلك فأشاروا به ثم دعا أبو بكر عثمان ابن عفان رضي الله عنهما فقال اكتب باسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عاهد عليه أبو بكر بن أبي قحافة في خر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إن مستخلف عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم أمره فختم الكتاب وخرج بها إلى الناس فبايعوا عمر ورضوا به ولما أراد أبو بكر أن يقلد عمر الخلافة قال له عمر اعفني يا خليفة رسول الله فإني غني عنها قال بل هي فقيرة إليك قال ليس لي بها حاجة قال هي محتاجة إليك فقلده الخلافة على كره منه ثم أوصاه بما أوصاه فلما خرج رفع أبو بكر يديه وقال اللهم إني لم أرد بذلك إلا إصلاحهم وخفت عليهم الفتنة فوليت عليهم خيارهم وقد حضرني من أمرك ما حضرني فاخلفني فيهم عبادك ونواصيهم في يدك وأصلح لهم ولاتهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وأصلح له رعيته ثم توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاثة عشر من الهجرة الشريفة وله ثلاث وستون سنة ودفن عند رسول الله صل الله عليه وسلم وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليالي وبويع عمر بن الخطاب ( رض ) بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر ( رض ) وهو أول من سمي بأمير المؤمنين وأما نسبه فهو أبو حفص عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العز بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رواح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وفي كعب نسبه مع نسب رسول الله صل الله عليه وسلم القرشي العدوي وأول خطبة خطبها قال يا أيها الناس والله ما فيكم أحد أقوى من الضعيف عندي حتى خذ الحق له ولا أضعف عندي من القوي حتى خذ الحق منه ثم أول شيء أمر به أن عزل خالد بن الوليد عن الإمرة وولى أبا عبيدة ابن الجراح على الجيش والشام و أرسل بذلك إليهما فإنهما كانا قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه في وقعة اليرموك وفرغا منها وقصدا دمشق فلما ورد عليهما كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه سار أبو عبيدة ونزل دمشق الشام من جهة باب الجابية ونزل خالد بن الوليد من جهة الباب الشرقي ونزل عمرو بن العاص من جهة باب توما ويزيد بن أبي سفيان من جهة الباب الصغير إلى باب كيسان وحاصروها قريبا من سبعين ليلة وفتح خالد ما يليه بالسيف فخرج أهل دمشق وبذلوا الصلح لأبي عبيدة من الجانب الآخر وفتحوا له الباب فأمنهم ودخل والتقى مع خالد في وسط البلد وبعث أبو عبيدة بالفتح إلى عمر ثم بعد دمشق بيسير فتح حمص بعد حصار طويل ثم فتح حماه صلحا وكذلك المعرة ثم فتح اللاذقيه عنوة وفتح جبلة والطرطوس ثم فتح حلب وإنطاكية وفتح بلادا أخر منها قيساوية وسبسطية ويقال أن قبر يحيى وزكرياء ونابلس ولد ويافا وتلك البلاد جميعا حتى دخلت سنة خمسة عشر من الهجرة الشريفة ثم سار أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حتى أتى الأردن فعسكر بها وبعث الرسل إلى أهل ايليا وكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة ابن الجراح إلى بطارقة أهل ايليا وسكانها سلام عل من اتبع الهد وآمن بالله وبالرسول وأما بعد فأنا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم وكنت لنا إخوانا وإن أبيتم فأقروا لنا بأداء الجزية عن يد وأنتم صاغرون وإن أبيتم سرت إليكم يقوم هم أشد حبا للموت منكم لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ثم لا أرجع عنكم إن شاء الله تعال أبدا حتى اقتل مقاتليكم واسي ذراريكم وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسم الله الحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد الله تعال إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي أهلك المشركين ونصر المسلمين وقد نما ما تولى الله أمرهم وأظهر فلاحهم وأعز دعوتهم فتبارك الله رب العالمين أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنا لقينا الروم وهم جموع لم تلق العرب مثلها جموعا فأتونا وهم يرون لا غالب لهم من الناس أحد فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا ما قوتل المسلمون مثله في موطن قط ورزق الله المؤمنين النصر وأنزل عليهم الصبر فقتلهم الله تعال في كل قرية وفي كل شعب وواد وجبل وسهل وغنم الله المسلمين عسكرهم وما كان فيهم من أموالهم ومتاعهم ثم إني تبعتهم بالمسلمين حتى بلغت أقصى بلاد الشام وقد بعثت إلى أهل الشام عمالي وقد بعثت إلى أهل ايليا أدعوهم إلى الإسلام فإن قبلوا وإلا فليؤدوا الجزية إلينا عن يد وهم صاغرون فإن أبوا سرت إليهم حتى أنزل بهم ثم لا ازيلهم حتى يفتح الله تعال عل المسلمين إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال أبو عبيدة - حين جاءه الكتاب - ليتركنها خلوفا ثم دعا يزيد بن أبي سفيان وقال اكفني دمشق فقال له يزيد اكفيكها إن شاء الله تعالى وسار إليها فولاها له ولما حصر أبو عبيدة أهل ايليا وأوجب عل نفسه إنه غير مقلع ولم يجدوا لهم طاقة بحرية قالوا نصالحك قال وإني قابل منكم قالوا فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا هذا العهد ويكتب لنا الأمان فقبل أبو عبيدة ذلك وهو أن يكتب وكان أبو عبيدة رضي الله عنه قد بعث معاذ بن جبل عل الأردن ولم يكن سار فقال معاذ لأبي عبيدة أتكتب لأمير المؤمنين تأمره بالقدوم عليك فلعله يقدم ثم يأتي هؤلاء الصلح فيكون مجيئه فضلا وعناء فلا تكتب حتى يوثقوا إليك واستحلفهم بالإيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة إن أنت بعثت إلى أمير المؤمنين فقدم عليهم وأعطاهم أمانا عل أنفسهم وأموالهم وكتب عليهم بذلك كتابا ليقبلن وليؤدن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الشام فبعث بذلك إليهم أبو عبيدة فأجابوه إليه فلما فعلوا ذلك كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فأنا أقمنا عل أهل ايليا فظنوا إن لهم في مطاولتهم فرجا فلم يزدهم الله بهذا إلا ضيقا ونقصا وهزالا وذلا فلما رأوا ذلك سألوا أن يقدم عليهم أمير المؤمنين فيكون هو الموثوق لهم والكاتب فخشينا أن يقدم أمير المؤمنين فيغدر القوم ويرجعوا فيكون مسيرك - أصلحك الله - عناء وفضلا فأخذنا عليهم المواثيق المغلظة بإيمانهم ليقبلن وليؤدن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الذمة ففعلوا فإن رأيت أن يقدم فافعل فإن في مسيرك أجرا وصلاحا آتاك الله رشدك ويسر أمرك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعث المسلمون إليه وفدا وبعث الروم وفدا مع المسلمين حتى أتوا المدينة فجعلوا يسألون عن أمير المؤمنين فقال الروم لترجمانهم عمن يسألون فقال عن أمير المؤمنين فاشتد عليهم وقالوا هذا الذي غلب فارس والروم وأخذ كنوز كسرى وقيصر ليس له مكان معروف بهذا غلب الأمم فوجدوه وقد ألقى نفسه حين أصابه الحر نائما فازدادوا تعجبا فلما قدم الكتاب عل عمر رضي الله عنه دعا برؤساء المسلمين إليه وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة رضي الله عنه واستشارهم في الذي كتب إليه فقال له عثمان رضي الله عنه إن الله تعالى قد أذلهم وحصرهم وضيق عليهم وهو في كل يوم يزدادون نقصا وهزالا وضعفا ورعبا فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا إنك بأمرهم مستخف ولشأنهم حاقر غير معظم فلا يلبثون إلا قليلا حتى ينزلوا عل الحكم ويعطوا الجزية فقال عمر ما ترون هل عند أحدكم رأي غير هذا ؟ فقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه نعم عندي غير هذا الرأي قال ما هو ؟ قال إنهم قد سألوا المنزلة التي فيها الذل الصغار وهو عل المسلمين فتح ولهم فيه عز وهم يعطونكها الآن في العاجل في عافية ليس بينك وبين ذلك إلا أن تقدم عليهم ولك في القدوم عليهم الأجر في كل ظمأ ومخمصة وفي قطع كل واد وفي كل نفقة حتى تقدم عليهم فإذا قدمت عليهم كان الأمن والعافية والصلاح والفتح ولست آمن إن أيسوا من قبولك الصلح منهم أن يتمسكوا بحصنهم فيأتيهم عدو لنا ويأتيهم منهم مدد فيدخل على المسلمين بلاء ويطول بهم حصار فيصيب المسلمين من الجهد والجوع ما يصيبهم ولعل المسلمين يدنون من حصنهم فيرشقونهم بالنشاب أو يقذفونهم بالمناجيق فإن أصاب بعض المسلمين تمنيتم إنكم افتديتم قتل رجل من المسلمين بمشرك إلى منقطع التراب وكان المسلم لذلك من إخوانه أهلا فقال عمر رضي الله عنه قد أحسن عثمان النظر في مكيدة العدو وأحسن علي بن أبي طالب النظر لأهل الإسلام سيروا على اسم الله فإني سائر فخرج فعسكر خارج المدينة ونودي في الناس بالعسكر والمسير فعسكر العباس بن عبد المطلب بأصحاب النبي صل الله عليه وسلم ووجوه قريش والأنصار والعرب رضي الله عنهم حتى إذا تكامل عنده الناس استخلف عل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسار فقل غدا إلا وهو يقبل عل المسلمين بوجهه ويقول الحمد الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ورحمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهدانا به من الضلالة وجمعنا به من بعد الشتات وألف بين قلوبنا ونضرنا به على الأعداء ومكن لنا في البلاد وجعلنا إخوانا متحابين فاحمدوا الله عباد الله على هذه النعمة واسألوه المزيد منها والشكر عليها وتمام ما أصبحتم متقلبين فيه منها فإن الله يزيد المزيدين من الراغبين ويتم نعمته عل الشاكرين وكان لا يدع هذا القول في كل غداة في سفره كله فلما دنا من الشام عسكر حتى قدم إليه من تخلف من العسكر فما هو إلا أن طلعت الشمس فإذا الرايات والرماح والجنود قد اقبلوا عل الخيول يستقبلون عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الراوي فكان أول مقنب لقينا من الناس سألنا عن المدينة وأخبرناه بصلاح الناس فنادوا هل لكم بأمير المؤمنين من علم ؟ فسكننا ومضوا فأقبل مقنب آخر فسلموا ثم سألوا عن أمير المؤمنين هل لنا به علم فقال لنا ألا تخبرون القوم عن صاحبكم ؟ فقلنا هذا أمير المؤمنين فذهبوا يرجعون ويقتحمون عن خيولهم فناداهم عمر رضي الله عنه لا تفعلوا ورجع الآخرون الذين مضوا فساروا معنا وأقبل المسلمون يصفون الخيل ويشرعون الرماح في طريق عمر حتى طلع أبو عبيد في عظيم الناس فإذا هو على قلوص اكفها بعباءة خطامها من شعر لابس سلاحه متنكب قوسه فلما نظر إلى أمير المؤمنين أناخ قوصه وأناخ أمير المؤمنين بعيره فنزل أبو عبيد وأقبل إلى عمر واقبل إلى أبي عبيدة فلما دنا عمر من أبي عبيد مد أبو عبيد يده إلى عمر ليصافحه فمد عمر يده فأخذها أبو عبيد وأهو ليقبلها يريد أن يعظمه في العام فأهو عمر إلى رجل أبي عبيدة ليقبلها فقال أبو عبيدة مه يا أمير المؤمنين تنحى فقال عمر مه يا أبا عبيدة فتعانق الشيخان ثم ركبا يتسامران وسارا وسار الناس أمامهما وحكي إنهم تلقوا عمر بيرذون وثياب بيض وكلموه أن يركب البرذون ليراه العدو فهو أهيب له عندهم وأن يلبس الثياب البيض ويطرح الفروة عنه فأبى ثم لجوا عليه فركب البرذون بفروته وثيابه فهملج به البرذون وخطام ناقته بيده بعد فنزل وركب راحلته وقال لقد غيرني هذا حتى خفت أن أتكبر وأنكر نفسي فعليكم يا معشر المسلمين فالقصد وإنما أعزكم الله عز وجل به وروي عن طارق بن شهاب قال لما قدم عمر الشام عرضت له مخاض فنزل عن بعيره ونزع جرموقيه فأمسكها بيده وخاض الماء ومعه بعيره فقال أبو عبيدة لقد صنعت اليوم صنعا عظيما عند أهل الأرض فصكه عمر في صدره وقال له لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة انكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام ومهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله تعالى وروي إنه لما قدم عمر من المدين ناهضوهم القتال بعد قدومه فظهر المسلمون عل أماكن لم يكونوا ظهورا عليها قبل ذلك وظهروا يومئذ على كرم كان في أيديهم لرجل من النصارى له ذمة مع المسلمين في كرمه عنب فجعلوا يأكلونه فأت الذمي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له يا أمير المؤمنين كرمي كان في أيديهم فلم يستبيحوه ولم يتعرضوا لي وأنا رجل ذمة مع المسلمين فلما ظهر عليه المسلمون وقعوا فيه فدعا عمر رضي الله عنه ببرذون له فركبه عريانا من العجلة ثم خرج يركض في أعراض المسلمين فكان أول من لقيه أبو هريرة يحمل فوق رأسه عنبا فقال له أنت أيضا يا أبا هريرة فقال يا أمير المؤمنين أصابتنا مخمصة شديدة فكان أحق من أكلنا من ماله من قاتلنا فتركه عمر ثم أتى الكرم فنظره فإذا هو قد أسرعت الناس فيه فدعا عمر رضي الله عنه الذمي فقال له كم كنت ترجو من غلة كرمك هذا ؟ فقال له شيئا قال فخل سبيله ثم أخرج عمر رضي الله عنه ثمنه الذي قال له فأعطاه إياه ثم أباحه للمسلمين وعن سيف عن أبي حازم وأبي عثمان عن خالد وعبادة قالا صالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل ايليا بالجابية وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتابا واحدا ما خلا أهل ايليا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعط عبد الله أمير المؤمنين عمر أهل ايليا من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبريها وسائر ملتها إنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حدها ولا من صليبهم ولا شئ من أموالهم ولا يكرهون عل دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بايليا معهم أحد من اليهود وعل أهل ايليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعلى أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم آمن وعليه مثل ما على أهل ايليا من الجزية ومن أحب من أهل ايليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل ايليا من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أرضه فإنه لا يؤخذ منه شئ حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسول الله صل الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وعن عبد الرحمن بن غنم قال كتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصار أهل الشام بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصار مدينة كذا كذا انكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا واموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم عل أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نحيي منها ما كان في خطط المسلمين ولا نمنع كنائسها أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نواري في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القران ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام أن أراده وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكي بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش عل خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقادم رؤسا وأن نلزم زينا حيثما ما كنا وأن نشد زنانير على أوساطنا ولا نظهر الصليب على كنائسنا ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا في أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم قال فلما أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالكتاب زاد فيه ولا نضر بأحد من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه لكم وضمناه عل أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل من أهل المعاندة والشقاق رواه الإمام البيهقي وغيره وقد اعتمد أئمة الإسلام هذه الشروط وعمل بها الخلفاء الراشدون وروي أن عمر رضي الله عنه أمر في أهل الذمة أن تجز نواصيهم وأن يركبوا على الاكف عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمون وأن يوثقوا المناطق أي الزنانير ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببيت المقدس نزل على الجبل الشرقي وهو طور زيتا وأتى رسول - بطريقها إليه - بالترحيب وقال أنا سنعطي بحضورك ما لم نكن نعطيه لا حد دونك وسأله أن يقبل منه الصلح والجزية وأن يعطيه الأمان عل دمائهم وأموالهم وكنائسهم فأنعم له عمر بذلك فسأله الرسول الأمان لصاحبه ليتول مصالحته ومكاتبته فأنعم وخرج إليه بطريقها في جماعة فصالحهم وأشهد عل ذلك والبطريق هو الأمير وأما البطرك فهو الكاهن وكان اسم البطرك يوم ذلك صقريوس وكان قد أخبر النصارى أن الله يفتح باب المقدس عل يد عمر من غير قتال فلما فرغ عمر من كتاب الصلح بينه وبين أهل بيت المقدس قال لبطريقها دلني على مسجد داود قال نعم وخرج عمر مقلدا بسيفه في أربعة آلاف من الصحابة الذين قدموا معه متقلدين بسيوفهم وطائفة ممن كان عليها ليس عليهم من السلاح إلا السيوف والبطريق بين يدي عمر في أصحابه حتى دخلوا بيت المقدس فأدخلهم الكنيسة التي يقال لها القيامة وقال هذا مسجد داود فنظر عمر وتأمل وقال له كذبت ولقد وصف رسول الله صل الله عليه وسلم مسجد داود بصفة ما هي هذه فمضى به إلى كنيسة يقال لها صهيون وقال له هذا مسجد داود فقال له كذبت فمضى به إلى مسجد بيت المقدس حتى انته به غل الباب الذي يقال له باب محمد ( ص ) وقد انحدر ما في المسجد من الزبالة على درج الباب حتى خرج إلى الزقاق الذي فيه الباب وكثر على الدرج حتى كاد أن يلصق بسقف الرواق فقال له لا نقدر أن ندخل إلا حبوا فقال عمر ولو حبوا فحبا بين يدي عمر وحبا عمر ومن معه خلفه حتى ظهروا إلى صحنه واستووا فيه قياما فنظر عمر وتأمل مليا ونظر يمينا وشمالا ثم قال الله أكبر هذا والذي نفسي بيده مسجد داود عليه السلام الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه اسري به إليه ووجد على الصخرة زبلا كثيرا مما طرحته الروم غيظا لبني إسرائيل فبسط عمر رداءه وجعل يكنس ذلك الزبل وجعل المسلمون يكنسون معه الزبل ومضى نحو محراب داود وهو الذي على باب البلد في القلعة فصلى فيه ثم قرأ سورة ص ومسجد وروي إنه لما جلا المزبلة عن الصخرة قال لا تصلوا فيها حتى يصيبها ثلاث مطرات وروي إنه لما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس قال لكعب يا أبا اسحاق أتعرف موضع الصخرة ؟ فقال اذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعا ثم احفر فانك تجدها وكانت يومئذ مزبلة فحفروا فظهرت لهم فقال عمر لكعب أين تر أن نجعل المسجد - أو قال القبلة - ؟ فقال اجعله خلف الصخرة فتجمع القبلتان قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليه وسلم فقال له ضاهيت اليهودية يا أبا إسحاق خير الساجد مقدمها فبناها في مقدم المسجد وروي أن عمر قال لكعب أين تر نجعل المصلى ؟ قال إلى الصخرة فقال ضاهيت والله يا كعب اليهودية بل نجعل قبلته صدره كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها اذهب إليك فأنا لم نؤمر بالصخرة ولكن امرنا بالكعبة ولما فرغ عمر من فتح ايليا وعزل الصخرة من القمامة وأبق النصارى على حالهم بأداء الجزية فسمى المسلمون كنيسة النصارى العظم عندهم قمامة تشبيها بالمزابل وتعظيما للصخرة الشريفة ثم ارتحل من القدس إلى الأرض فلسطين وكان هذا الفتح في سنة خمسة عشر من الهجرة الشريف قاله ابن الجوزي وغيره من المؤرخين وقيل كان في سنة ستة عشر في ربيع الأول وقيل لخمس خلون من ذي القعدة والله أعلم ووجد على رأس بعض التصاوير التي كانت في المسجد الأقصى عقب ما استنقذه المسلمون منهم هذه الأبيات - ويقال إنها لابن ضامر الضبعي بعكا -
( أدم الكنائس أنتكن عبث بكم
أيدي الحوادث أو تغير حال )
( فلطالما سجدت لكن شماس
شم الانوف ضراغم أبطال )
Страница 257