Неизвестно
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية
Издатель
دار الصميعي للنشر والتوزيع
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
[مقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي مهد قواعد الدين بكتابه المحكم، وشيد معاقد العلم بخطابه وأحكم، وفَقَّه في دينه من أراد به خيرا من عباده وفهّم، وأوقف من شاء على ما شاء من أسرار مراده وألهم، فسبحان من حكّم فأحكم، وحَلَّل وحرّم، وعرّف وعلّم، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تهدي إلى الطريق الأقوم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المخصوص بجوامع الكلم وبدائع الحكم، وودائع العلم والحلم والكرم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (١) .
أما بعد:
فإن علم القواعد الفقهية من أجَلِّ العلوم الشرعية قدرا، وأسماها فخرا، وأعلاها شرفا وذكرا؛ ولذا أعلى الأئمة من شأنه، وأشادوا بمكانته وأهميته، وبينوا حاجة الفقيه الماسة إلى الإلمام به وتعلمه. قال الإمام القرافي يرحمه الله: (وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يَعُظُم قدر الفقيه ويَشْرُف، ويظهر رونق الفقه ويُعْرف، وتتضح مناهج الفتوى وتُكْشَف) (٢) .
_________
(١) من: مقدمة ابن رجب في: "القواعد".
(٢) "الفروق:١/٣".
1 / 5
وقال الحافظ ابن رجب يرحمه الله: (فهذه قواعد مهمة، وفوائد جمة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتُطْلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تَغَيَّب) (١) .
وقال الإمام السيوطي يرحمه الله: (اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يُطَّلَع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره) (٢) .
وتكمن أهمية هذا العلم في أمور عدة (٣)، منها:
أولا: أنها تضبط الأمور المنتشرة المتعددة، وتنظمها في سلك واحد مما يمكن من إدراك الروابط والصفات الجامعة بين الجزيئات المتفرقة، فهي كما قال ابن رجب: (تنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد) (٤) .
ثانيا: أن ضبطها يُيَسر على الفقيه ضبط الفقه بأحكامه، ويغنيه عن حفظ أكثر الجزئيات؛ إذ إن حفظ جزئيات الفقه وفروعه يستحيل أن يقدر عليه إنسان خلافا للقواعد فإن حفظها وإن كَثُرَت داخلٌ تحت الإمكان؛ ولذا قال القرافي يرحمه الله: (من ضبط الفقه بقواعده
_________
(١) "القواعد:١/٤".
(٢) "الأشباه والنظائر:٦".
(٣) انظر: "القواعد الفقهية:١١٤"ليعقوب الباحسين.
(٤) "القواعد:١/٤".
1 / 6
استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات؛ لاندراجها في الكليات) (١) .
ثالثا: أن دراستها تُكَوِّن عند المرء ملكة فقهية تنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسعة والمتعددة، ومعرفة الأحكام الشرعية، واستنباط الحلول للوقائع المتجددة والمسائل النازلة؛ ولذا أصبحت القواعد معينا ثَرًّا للفقهاء، ومبعث حركة دائمة ونشاط متجدد، يُبعد الفقه عن أن تتحجر مسائله وتتجمد قضاياه.
قال الإمام السيوطي يرحمه الله: (أعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يُطَّلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآحذه وأسراره، ويتمهّد في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لاتنقضي على مَرّ الزمان) (٢) .
رابعا: أنها تمكن الفقيه من تخريج الفروع بطريقة سَوِيَّة، وتبعده عن التخبط والتناقض الذي قد يترتب على التخريج من المناسبات الجزئية، وقد نقل تاج الدين السبكي عن والده قوله: (وكم من آخر مستكثر في الفروع ومداركها قد أفرغ جمام ذهنه فيها، غفل عن قاعدة كلية، فتخبطت عليه تلك المدارك وصار حيران، ومن وفقه الله بمزيد من العناية جمع بين الأمرين، فيرى الأمر رأي
_________
(١) "الفروق:١/٣".
(٢) "الأشباه والنظائر:٦".
1 / 7
العين) (١) .
وحتى يتضح معنى القاعدة الفقهية وأهميتها واستقلالها لابد من بيان الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، والفرق بينهما من وجوه (٢)، منها:
أولا: من جهة الموضوع؛ إذ إن موضوع القاعدة الفقهية أفعال المكلفين، وموضوع القاعدة الأصولية الأدلة الشرعية. فالقاعدة الأصولية "النهي يقتضي الفساد"موضوعها: كل دليل في الشريعة ورد فيه نهي بينما القاعدة الفقهية "المشقة تجلب التيسير" موضوعها: كل فعل من أفعال المكلَّف يجد فيه مشقة معتبرة شرعا.
ثانيا: من جهة كون كل منهما كلية أم لا، فالقواعد الأصولية كلية مطردة خلافا للقواعد الفقهية فليست كلية، بل هي أغلبية أكثرية؛ لأن لها استثناءات بالإضافة إلى فروق أخرى ليس هذا محل بسطها.
ولما كان لهذا العلم أهمية عظمى وفائدة جُلَّى أخذ العلماء في التأليف فيه والتصنيف، فمنهم من أطنب وأسهب، ومنهم من اختصر وهذب، ومنهم من كان تأليفه نظما.
ولقد كان للسادة الحنابلة -لازالت عليهم سحائب الرحمة
_________
(١) "الأشباه والنظائر: ١/٣٠٩"
(٢) انظر: "القواعد الفقهية: ١٣٥" ليعقوب الباحسين.
1 / 8
وابلة- في هذا الفن جهود مُتْقَنة مُحَرَّرة (١)، وإن كانت متأخرة في الجمع، حتى فاق بعضها من سبقها، ولم يدرك شأوها من بعدها، لاسيما "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" لابن رجب، حتى قال عنه ابن الهادي يرحمه الله: (وهو كتاب نافع من عجائب الدهر) (٢) .
وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله فضل الإفراد لها في نحو /٢٢٠مؤلفا، مابين: فتوى، وكتاب، ورسالة، جميعها تصدر باسم: "قاعدة في ... " أو: "قواعد ... "، وكان من بين مؤلفاته كتاب: "القواعد النورانية الفقهية".
وقفاه تلامذته فمن بعدهم، منهم تلميذه الطوفي في كتابه: "القواعد الكبرى" و"الصغرى" و"الأشباه والنظائر".
ثم جاء من بعدهم شرف الدين المقدسي الشهير بابن قاضي الجبل فألف كتابه: "القواعد الفقهية"، ثم تبعه ابن رجب فألف كتابه آنف الذكر، ثم تتابعت مصنفات الحنابلة في القواعد جيلا بعد جيل، ورعيلا يعقبه رعيل، فألفوا في ذلك كتبا شريفة، وصحفا أنيقة، ودفاتر مبسوطة، ومختصرات مضبوطة، وكان من آخر ما ألف في ذلك: "منظومة القواعد الفقهية" للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي يرحمه الله ضمنها طائفة من مختاراته في القواعد
_________
(١) انظر: "المدخل المفصل:٢/٩٣٠، "القواعد الفقهية:٣٢٦، ٣٣٠".
(٢) "الجوهر المنضد:٤٨٩".
1 / 9
والضوابط، وقد احتوت على مهمات القواعد كماذكره الناظم في الشرح بقوله: (وبعد، فإني وضعت لي ولإخواني منظومة مشتملة على مهمات قواعد الدين، وهي وإن كانت قليلة الألفاظ، فهي كثيرة المعاني لمن تأملها) . ومن ثَمَّ كانت عناية المتأخرين بهذا النظم دراسة وحفظا، وتفهُّما وضبطا.
ولما كان هذا النظم يحتاج إلى إيضاح وتبيين، وشرح وتفصيل قام شيخنا المفضال: صالح بن محمد الأسمري يحفظه الله بشرح هذه المنظومة، شرحا يذلل الصعاب، ويميز القشر عن اللباب، ومتجنبا الإسهاب وغث الإطناب، وقد تميز الشرح بما يلي:
أولًا: شرح الكلمات، وحل الألفاظ والعبارات.
ثانيا: فتح المقفل، وتفصيل الجمل بعبارة تستعذب، وإشارة لا تستصعب.
ثالثا: ذِكْر مصادر القاعدة والأصول التي أُخذت منها، وضَرْب بعض الأمثلة عليها ليسهل فهمها.
رابعا: توثيق معلوماته بذكر مصادره من كتبه الفقه والقواعد وما إلى ذلك.
خامسا: ذكر فوائد عزيزة، ولطائف نفيسة، وتقسيمات بديعة.
وكان أصل هذا الشرح دروسا ابتُدئ فيها بجامع أبي بكر
1 / 10
الصديق ﵁ بمدينة الطائف عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، وفُرِغَ منها ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك من العام نفسه، وقد وُسِم هذا الشرح بـ (مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية) .
وقد من الله علي بأن أعانني على إخراج هذا الشرح المبارك، وكان عملي فيه وفق ما يلي:
أولا: قمت بكتابة الشرح ونسخه مراعيا قواعد الإملاء والترقيم في ذلك.
ثانيا: وضعت مقدمة للشرح تشتمل على: أهمية القواعد الفقهية، والفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، وجهود الحنابلة في هذا الفن، ومزايا الشرح، وغير ذلك.
ثالثا: صنعت فهرسا كاشفا لموضوعات الشرح وفوائده.
رابعا: جعلت عناوين رئيسة لكل قاعدة ذُكِرت ضمن أبيات المنظومة، مراعيا ذكرها بلفظها عند الفقهاء غالبا.
خامسا: اعتنيت بالإخراج الفني العام للشرح متوخيا منهج البحث العلمي في الكتابة.
هذا وقد عرضت هذا الشرح على الشيخ حفظه الله بُغية نشره، وانتفاع طلبة العلم به، فاستحسنه، ومن ثَمَّ أَذِن بإخراجه وطباعته، فجزاه الله خير الجزاء، ومنحه كل مسرة وهناء.
1 / 11
وقبل أن أطوي أوراق هذه المقدمة أسدي جزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى كل من أعانني على إخراج هذا الشرح المبارك، أسأل المولى جل وعلا أن يجعل ما قدموه في موازين حسناتهم إنه جواد كريم.
وختاما أسال الله العظيم رب العرش اكريم أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يكافئنا بالحسنى، وأن يغفر لي وللمسلمين، وصلا الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه: متعب بن مسعود الجعيد
(الدراسات العليا
بجامعة أم القرى
كلية الشريعة
قسم الفقه)
الطائف
١٣/٩/١٤١٨ هـ
1 / 12
الحمدُ للهِ العليِّ الأَرْفَقِ ... وجامعِ الأشياءِ والمفرِّقِ
ذي النِّعمِ الواسعةِ الغزيرةْ ... والحِكمِ الباهرةِ الكثيرةْ
ثم الصلاةُ معْ سلامٍ دائمِ ... على الرسولِ القرشيِّ الخاتَمِ
وآله وصحبِه الأبرارِ ... الحائزي مراتبَ الفِخَارِ
اعلمْ هُديتَ أن أفضلَ الْمِنَنْ ... علمٌ يُزيلُ الشكَّ عنك والدَّرَنْ
ويَكشِفُ الحقَّ لذي القلوبِ ... ويُوصِلُ العبدَ إلى المطلوبِ
فاحرِصْ على فهمِكَ للقواعدِ ... جامعةِ المسائلِ الشَّواردِ
فتَرْتَقِي في العلم خيرَ مُرتَقَى ... وتَقْتَفِي سُبْلَ الذي قد وُفِّقَا
هذه قواعد نَظَمْتُها ... مِنْ كُتْبِ أهل العلم قد حَصَّلْتُها
جزاهم المولى عظيمَ الأجرِ ... والعفوَ مَعْ غُفرانِه وَالْبِرِّ
النيةُ شرطٌ لسائِر العملْ ... بها الصلاحُ والفسادُ للعملْ
الدينُ مَبْنِيٌّ على المصالِحِ ... في جَلْبِها والدَّرْءِ للقبائِحِ
فإن تَزَاحَمْ عدَدُ المصالحِ ... يُقَدَّمُ الأعلى من المصالحِ
وضده تَزاحُمُ المفاسدِ ... يُرْتَكَبُ الأدنى من المفاسدِ
ومِنْ قواعدِ الشَّريعةِ التَّيسيرُ ... في كُلِّ أمر نَابَهُ تَعْسِيرُ
وليس واجبٌ بلا اقْتدار ... ولا مُحَرَّمٌ مع اضطرارِ
وكل محظورٍ مع الضرورةْ ... بقَدْرِ ما تحتاجه الضرورةْ
وتَرجِع الأحكامُ لليقينِ ... فلا يُزيلُ الشكُّ لليقينِ
والأصلُ في مياهنا الطهارةْ ... والأرضِ والثيابِ والحِجارةْ
والأصلُ في الأبضاعِ واللحومِ ... والنفسِ والأموالِ للمعصومِ
تحريمُها حتى يجيءَ الحِلُّ ... فافهَمْ هداك اللهُ ما يُمَلَّ
1 / 13
والأصلُ في عاداتنا الإباحةْ ... حتى يجيءَ صارفُ الإباحةْ
وليس مشروعًا من الأمورْ ... غيرَ الذي في شرعنا مذكورْ
وسائلُ الأمورِ كالمقاصدِ ... واحكمْ بهذا الْحُكمِ للزوائدِ
والخطأُ والإكراهُ والنسيانُ ... أسقطه معبودُنا الرحمانُ
لكن معَ الإتلافِ يَثْبُتُ البدلْ ... ويَنْتَفِي التأثيمُ عنه والزَّلَلْ
ومن مسائلِ الأحكامِ في اتَّبَعْ ... يَثْبُتُ لا إذا استقلَّ فوقعْ
والعرفُ معمولٌ به إذا وَرَدْ ... حُكْمٌ من الشرعِ الشريفِ لم يُحَدّْ
مُعاجِلُ المحظورِ قبل آنِهْ ... قد باء بالخسران مَعْ حِرمانهْ
وإن أتى التحريمُ في نفسِ العملْ ... أو شرطِهِ، فذو فسادٍ وخَللْ
ومُتْلِفُ مؤذيه ليس يَضمنُ ... بعد الدفاعِ بالتي هي أحسنُ
وَأَلْ تُفيدُ الكلَّ في العمومِ ... في الجمعِ والإفرادِ كالعَليمِ
والنكراتُ في سِياقِ النفي ... تُعطي العموم - أوسياق النهي
كذاك "مَنْ" و"ما" تُفيدان مَعَا ... كل العموم يا أخي فاسمعا
ومثله المفرد إذ يضاف ... فافهم هُدِيتَ الرشد ما يضاف
ولا يتم الحكمُ حتى تجتمعْ ... كلُّ الشروط والموانع تُرْتَفَعْ
ومن أتى بما عليه من عمل ... وهي التي قد استحق ماله على العمل
وكلُّ حُكمٍ دائر مع علتهْ ... وهي التي قد أوجبتْ لشرعيَّتِهْ
وكل شرط لازمٍ للعاقد ... في البيع والنكاح والمقاصدِ
إلا شروطًا حَلَّلَتْ مُحَرَّمًا ... أو عكسِه فباطلاتٌ فاعْلَمَا
تُستعمَل القرعةُ عند الْمُبْهَمِ ... من الحقوقِ أو لدى التَّزَاحُمِ
وإن تساوى العملان اجتمعا ... وفُعِل إحداهما فاستَمِعا
وكلُّ مشغولٍ فلا يُشَغَّلُ ... مثالُه المرهونُ والْمُسَبَّلُ
1 / 14
ومن يُؤدِّ عن أخيه واجبا ... له الرجوع: إن نوى يُطالِبَا
والوازع الطَّبَعِيُّ عن العصيانِ ... كالوازع الشرعيِّ بلا نُكرانِ
والحمد لله على التَّمامِ ... في البَدء والختام والدوامِ
ثم الصلاة معْ سلامٍ شائعِ ... على النبي وصحبِه والتابعِ
1 / 15
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد:
فهذا شرح مختصر لطيف، على نَظْمٍ للقواعد الفقهية منيف، يحل ألفاظه ومبانيه، ويبين قواعده ومعانيه. أبتدئه بمقدمة لا بد منها، ولا مَنْدُوحة للطالب عنها، وهذا أوان الشروع، وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
1 / 17
المقدمة وفيها فصلان:
الفصل الأول: في التعريف بـ (علم القواعد الفقهية) .
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: في تعريف (القاعدة الفقهية) .
المبحث الثاني: في التفريق بين: (القاعدةالفقهية) و(الضابط الفقهي) .
المبحث الثالث: في (أقسام القواعد الفقهية) .
المبحث الرابع: في (تدوين القواعد الفقهية) .
الفصل الثاني: في تعريف موجز بالمنظومة ومؤلفها وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في التعريف بمؤلف النظم.
المبحث الثاني: في التعريف بالنظم.
1 / 18
الفصل الأول: في التعريف بـ (علم القواعد الفقهية)
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: في تعريف: (القاعدة الفقهية)
فهي: حكم أغلبي، يأتي تحته مسائل فقهية فرعية، يُتَعَرَّف من خلاله على أحكام تلك المسائل.
وتوضيح ذلك بالمثال التالي:
من القواعد الفقهية: (الضرر لا يُزال بالضرر)، أو (الضرر لا يُزال بمثله)؛ حيث يدخل تحت هذه القاعدة مسائل فقهية فرعية كثيرة، منها: إكراه معصومِ دمٍ بالقتل، على قتل معصوم الدم. ومنها، دفع الهلاك عن النفس جوعا بأخذ مال من يدفع عن نفسه هلاك الجوع.
ففي هاتين المسألتين إزالة ضرر بمثله، وهذا لا يجوز؛ لأن القاعدة الفقهية تقول: (الضرر لا يزال بمثله) .
إلا أن هذه القاعدة ليست كلية، بحيث يندرج تحتها جميع المسائل الفقهية الفرعية المنطبقة عليها القاعدة، بل هي أغلبية؛ لأن لها استثناءات، من ذلك: رمي الكفار إذا تَتَرَّسُوا بأسرى المسلمين.
1 / 19
المبحث الثاني: في التفريق بين: (القاعدة الفقهية) و(الضابط الفقهي)
لالتباس القاعدة الفقهية بالضابط؛ لزم بيان الفرق بينهما؛ إذ بينهما عموم وخصوص مطلق، فالقاعدة أعمُّ مطلقا، والضابط أخصُّ مطلقا.
وإيضاح ذلك: أن القاعدة تضم تحتها مسائلَ فقهية من أبواب شتى، خلافا للضابط فهو يضم مسائلَ فقهية من باب واحد.
فمثال القاعدة: (اليقين لا يزول بالشك) أو (الشك يُدْرَأ باليقين)؛ حيث تدخل هذه القاعدة في كل مسألة فقهية اجتمع فيها شك ويقين، فتدخل في أبواب فقهية شتى، كالطهارة، والصلاة، والزكاة، وغير ذلك.
ومثال الضابط: (كل ما يُعْتَبَر في سجود الصلاة؛ يُعْتَبَر في سجود التلاوة) قاله بعض أصحاب مالك -رحمه الله تعالى- فهذا الضابط يضم مسائل تخص ذينك السجودين، وكلاهما خاص بباب الصلاة، لا يتعداها إلى أبواب أخرى.
واعلم -رحمك الله- أن التفريقَ السابق هو المُقَرَّر عند الفقهاء، ولكن قد يتسامحون في هذا التفريق، فيطلقون على الضابط قاعدة والعكس.
1 / 20
المبحث الثالث: في (أقسام القواعد الفقهية)
تُقَسَّم القاعدة الفقهية من حيثيتين:
الأولى: من حيث مصدرُها؛ إذ إنها تأتي عن طريق أحد مصدرين:
الأول: النص الشرعي. والثاني: الاستنباط الاجتهادي، إلا أن أكثر القواعد مأخوذة عن المصدر الثاني.
فمثال المصدر الأول قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار)؛ حيث إن مصدرها حديث: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه عن ابن عباس ﵄.
ومثال المصدر الثاني قاعدة: (من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه) وذلك كقتل وارثٍ موَرِّثَه قتلًا يوجب قصاصًا، فإنه يُحرم من الميراث؛ لأنه أساء في قصده، فرد الشارع قصده -عقابًا- عليه.
ومن ثََمَّ تعلم -رحمك الله- أن القاعدة الفقهية تَكتسِبُ حجيتها بمصدرها إما نصًّا وإما استنباطًا.
الثانية: من حيث اتفاق العلماء عليها وعدمه، إذ من القواعد ما اتفقت المذاهب الفقهية عليها، وتُسمى بالقواعد الكلية. ومنها ما حصل الاختلاف فيها -أعني القواعد الفقهية-.
1 / 21
مثال القواعد الكلية قاعدة: (اليقين لا يزول بالشك)، وقد أوصلها- أعني: القواعد الكلية- الإمام السيوطي في كتابه: "الأشباه والنظائر" إلى خمس وأربعين قاعدة، وأوصلها ابن المَبْرد يوسف بن عبد الهادي في كتابه: "مغني ذوي الأفهام" إلى ست وستين قاعدة؛ إلا أن القواعد الكلية الكبرى قصرها الأكثر على خمس قواعد، وهي: (الأمور بمقاصدها)، و(اليقين لا يزول بالشك) و(المشقة تجلب التيسير)، و(لا ضرر ولا ضرار)، و(العادة مُحَكَّمة) .
ومثال القواعد المُخْتَلَف فيها قاعدة: (المُسْتَقْذَر شرعا كالمُسْتَقْذَر حِسًّا)، كبسط الذراعين انبساط الكلب؛ فإنه مُسْتَقْبَح حِسًّا عند الناس، وكذلك هو مستقبح لدى الشرع لما رواه الشيخان عن أنس- ﵁ مرفوعا: "لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
1 / 22
المبحث الرابع: في تدوين القواعد الفقهية
نشأت القواعد الفقهية مع الفقه، لتعلق كلٍّ منهما بالآخر، وكان الصدر الأول ينطقون ببعض تلك القواعد، فقد روى الإمام عبد الرزاق في: "مصنفه" بسنده إلى عبد الله بن عباس-﵄ أنه قال: (كل شيء في القرآن (أو، أو)؛ فهو مخيّر، وكل شيء (فإن لم تجدوا) فهو الأول فالأول". إلى غير ذلك من الأمثلة.
ولكن القواعد الفقهية لم يُبْدَأ في حصرها، وتقنين علمها؛ إلا بعد استقرار المذاهب الفقهية المُتَّبَعَة، وظهور التقليد وتفشِّيه. وقد ألمح إلى ذلك ابن خلدون- رحمه الله تعالى- في: "مقدمته" حيث قال: (ولما صار مذهب كل إمام عِلمًا مخصوصًا عند أهل مذهبه، ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس، فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه، بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذاهب إمامهم) انتهى المراد.
فكانت أولى محاولات الحصر لقواعد مذهب فقهي؛ هي ما حكاه الإمام العلائي- رحمه الله تعالى- في كتابه: "المجموع المذهب، في قواعد المذهب" حيث ذكر أن الإمام أبا طاهر بن محمد بن الدباس الحنفي الضرير، أحد فقهاء القرن
1 / 23
الثالث والرابع الهجري: أنه أرجع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة كلية، وأنه كان يكرِّر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد مُنْصَرَف الناس.
وكان أول من دَوَّن القواعد وأفردها في كتاب؛ أبو الحسن عبيد الله بن الحسن الكَرْخي الحنفي، المتوفى سنة أربعين وثلاثمائة، وقد ضمن هذه الرسالة تسعة وثلاثين أصلًا. وقد وضع الإمام أبو حفص عمر بن محمد النسفي (ت:٥٧٣هـ) شرحا على تلك الأصول؛ بين فيها ما يندرج تحت كل أصل من المسائل.
فائدة:
اعلم -أرشدك الله- أن أصحاب المذاهب الفقهية المُتَّبَعة لهم بعد الكرخي مسيرة في تدوين القواعد الفقهية، إلا أن دواوينهم فيها تتباين وتتفارق.
فمن أحسن ما كُتِب في المذهب الحنفي؛ كتاب؛ "الأشباه والنظائر" لابن نُجَيم المصري (ت:٩٧٠هـ)، قال الحموي الحنفي في: "غمز عيون البصائر، شرح الأشباه والنظائر": (لم يوجد في كتب الحنفية ماله -يعني: الأشباه لابن نجيم- يوازي أو يداني) انتهى؛ لذا اعتنى الأحناف: بـ "الأشباه" فعملوا عليه أكثر من عشرين عملا، مابين شرح ونظم وترتيب.
ومن أجود ما دون في المذهب المالكي؛ كتاب: "أنوار البروق في أنواء الفروق" لأحمد بن إدريس القرافي (ت:٦٨٤هـ)
1 / 24
المشهور بـ: "فروق القرافي"، وقد عكف عليه المالكية تهذيبا، وترتيبا، وتعقيبا وغيرذلك.
ومن أحسن ما رُقِم في المذهب الشافعي؛ كتاب: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ت: ٩١١هـ)، وقد شرحه السبزاوري، وفصيح الدين البغدادي، ونظمه الأهدل.
ومن أفضل ما صُنِّف في المذهب الحنبلي؛ كتاب: "تقرير القواعد، وتحرير الفوائد" المشهوربـ "القواعد" أَلَّفه ابن رجب (ت:٧٩٥هـ)، قال حاجي خليفة عنه: "هوكتاب نافع، من عجائب الدهر"، وقال البرهان ابن مفلح في: "المقصد الأرشد": (والقواعد الفقهية تدل على معرفة تامة بالمذهب) .
1 / 25