Князья выразительности
أمراء البيان
[91_2]
وليس من المستغرب ألا يجيد ابن المقفع علم الكلام، ولكن المستغرب أن يحمل الجاحظ عليه وعلى الخليل بن أحمد صاحب العروض ، ويرمي هذا بالجهل بهذا العلم، بعبارة جارحة، وقال فيه كما قال في ابن المقفع: إنه من أجل إحسانه في النحو والعروض وضع كتابا في الإيقاع وتراكيب الأصوات، وهو لم يعالج وترا قط، ولا مس بيده قضيبا قط، ولا كثرت مشاهدته للمغنين؛ وكتب كتابا في الكلام، ولوجه كل بليغ في الأرض أن يتعمد ذلك الخطأ والتعقيد لما وقع له ذلك، ولو أن مرورا استفرغ قوى مرته في الهذيان لما تهيأ له مثل ذلك، ولا يتأتى ذلك لأحد إلا بخذلان من الله تعالى.
ونقل عن أبى بكر الأصم، وهو من المعتزلة أيضا، أنه ذكر ابن المقفع فقال: ما رأيت شيئا إلا وقليله أخف من كثيره إلا العلم، فإنه كلما كثر خف محمله؛ ولقد رأيت عبد الله بن المقفع هذا في غزارة وعلمه وكثرة روايته كما قال الله عز وجل: (كمثل الحمار يحمل أسفارا)، قد أوهنه علمه، وأذهله حلمه، وأعمته حكمته، وحيرته بصيرته. ورأينا نحن بما قال خصوم ابن المقفع أنهم مع دعواهم عليه الجهل في علم الكلام، يعترفون له بغزارة العلم وكثرة الرواية، وانه يحسن ضبط حكاية المقالات، ويجيد الحكاية لدعوى أهلها؛ وتسفيههم لرأيه لا يقدح فيه كثيرا غلا لأنه عانى علما لا يحسنه. قال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا اجمع.
وإذا سلمنا مع الجاحظ أن ابن المقفع لم يكن حجة في الكلام، فقد رأيناه يشهد له بالفضل، ويقول إنه كان مقدما في بلاغة اللسان والقلم والترجمة واختراع المعاني وابتداع السير؛ أي أنه كان كاتبا خطيبا مترجما واسع الخيال يخترع ويبتدع. وعده من المعلمين ثم من البلغاء المتأدبين. نظمه في سلك المعلمين لأنه سبق له أن أدب
Страница 91