[77_2]
ظان، أو قال قائل، إن ذلك الصنع لفضل حيلته، وأصالة رأيه، وحسن تدبيره، كان متعرضا لأن يكله الله إلى نفسه، فيصير منها إلى غير كاف. ولا يقل أحد منكم أنه آدب وأعقل، وأحمل لعبء التدبير والعمل من أخيه في صناعته، فإن اعقل الرجلين عند ذوي الألباب، القائل أن صاحبه أعقل منه، وأحمقهما الذي يرى أنه اعقل من صاحبه، لعجب هذا بنفسه، ونبذ ذاك العجب وراء ظهره، إذ كان الآلفة العظمى من آفات عقله؛ ولكن قد يلزم الرجل أن يعرف فضل نعمة الله عليه، من غير عجب برأيه، ولا تزكية لنفسه، ولا تكاثر على أخيه وكفئه، ويشكر الله ويحمده بالتواضع لعظمته.
وأنا أقول في آخر كتابي هذا ما سبق به المثل: من يلزم الصحة يلزمه العمل، وهو جوهر هذا الكتاب وغرة كلامه، بعد الذي فيه من ذكر الله عز وجل، فلذلك جعلته آخره وختمته به؛ تولانا الله وإياكم معشر الكتاب بما يتولى به من سبق علمه في سعادته وإرشاده، فإن ذلك إليه وبيده، والسلام عليكم ورحمة الله.
وبهذا الكتاب أيضا عرفنا منازع عبد الحميد وأدبه؛ وأنه يريد أن يجعل من الكتاب صناعة شريفة تفيد الناس، وتفيد الآخذين أنفسهم بأدبها، وأن الكتابة تحتاج إلى ادوات كثيرة، ذكرها مفصلة؛ ولا بد بعد الاضطلاع بأعضاء ما يلزم لها من العلوم أن يلم الكاتب بكل موضوع ولو إلماما خفيفا؛ ومن أحلى ما في رسالته أن يسترشد الصغار منهم بالكبار الذين سبقوهم في هذه الصناعة، ويتعهدوهم ويعملوا بمشورتهم. فلا عجب بعد هذا أن كانت لعبد الحميد من كتابته مدرسة خاصة، ما زال الناس يأخذون منها في العصور التي تلته؛ وقلما حادوا عنها لأنها مقبولة صدرت عن عقل عظيم نجذته التجارب، وأيده العلم والأدب.
نعم ألبس عبد الحميد في الثلث الأول من القرن الثاني هذا الإنشاء العربي حلة جديدة، فيها المتانة وفيها الرشاقة، وأكثر ما بدا في تضاعيفها الإطالة في غير ما
Страница 77