[39_2]
فالهلاك؛ فلما ورد الكتب على أبي مسلم لم يقرأه، وأمر بنار فأحرقه، وكتب على جذاذة منه إلى مروان:
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب
فإن يقدموا نعمل سيوفا شحيذة ... يهون عليها العتب من كل عاتب
وقالوا إن من جملة فقرات هذا الكتاب إذا أراد الله إهلاك نملة انبت لها جناحين؛ ومعنى قول الراوين إن كتابه من كبر حجمه حمل على جمل، أنه كان مكتوبا على رق، وفي الرقوق تكتب الأسطر القليلة على الأغلب؛ وربما دعت كثرت الرقوق التي تضمنت هذا الكتاب أن لا ينهض ر جل بحملها بل حملت لثقلها على جمل، وليس في هذا التطويل المأثور عن عبد الحميد من عيب، مع ما عرف من تفننه في بلاغته؛ وهكذا جرى في رسالة أبي مسلم الخراساني، فأطال وحمدت إطالته، كما أطال في نصيحته لعبد الله ولي عهد مروان، فقد كتب كتابه هذا في صفحات كبيرة، فوضع ببيانه الرائع خططا حربية، وطرقا جديدة في النظام والإدارة والسياسة، وقواعد مهمة في التربية ولا سيما في تربية الملوك والعظماء، وأصولا كلية في علم النفس والعادات المستحبة، ومعاملة المرؤوسين وطلاب الحاجات وأرباب الساعيات وأصحاب الأخبار. وبالإيجاز لا يأتي لأحد أن يفيض فيما أفاض فيه من الأغراض العظيمة.
كان عبد الحميد يقول: أكرموا الكتاب، فإن الله عز وجل أجرى أرزاق الخلق على أيديهم؛ وقال: إن كان الوحي ينزل على أحد بعد الأنبياء فعلى بلغاء الكتاب؛ ومن غرر كلامه: القلم شجرة ثمرها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة، وكان يقول: البيان في السان والبنان، ومن كلامه: خير الكلام ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا؛ ويروي أنه مر بإبراهيم جبلة وهو يكتب خطا رديئا فقال: أتحب أن يجود خطك؟ قال نعم. قال: أطال جلفة قلمك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها. قال: ففعلت ذلك
Страница 39