لأول مرة أحس بأنني أقدم شيئا نفيسا للقارئ العربي.
ولأول مرة أجدني فخورا بتقديم هذا السفر الثمين الرائع.
ولعل القارئ يدرك لأول وهلة مقدار الجهد الذي بذلته في نقل هذا التراث الخالد من لغته الأصلية نقلا لا يرقى إليه الشك، في ثوب لا يقل عن ثوبه الأصيل جمالا وروعة.
ولكم يسعدني أن أكون أول مصري، بل أول عربي، قد أوفى هوميروس، ذلك الشاعر الفريد، حقه علينا، بأن ترجمت له ملحمتيه الأزليتين السرمديتين!
ومما لا شك فيه أن كل من سبق له أن قرأ «الإلياذة» مترجمة عن النص اليوناني ضمن «مطبوعات كتابي» المشهورة، ليتحرق شوقا إلى قراءة «الأوديسة» أيضا مترجمة عن مصادرها الأصلية وعن اللغة التي كتبها بها هوميروس، فلتة زمانه وكل زمان حتى هذا الأوان.
ولست مكبرا أو معظما هذا المجهود بدون وجه حق أو استحقاق، ولكنني أدرك ما أقول، وأستبين خطورة ما أجاهر به من أن ترجمتي لإلياذة هوميروس فيما مضى، ثم ترجمتي اليوم للأوديسة لنفس هذا الشاعر الجبار لتعد في حد ذاتها ووحدها، في تاريخ المكتبة العربية والنهضة الفكرية الشرقية، حدثا جللا خطيرا لا يمكن لأحد أن يغض الطرف عنه أو أن يدعه يمر عليه مر الكرام.
وليس هوميروس الشاعر، كسائر الشعراء، ولا هو كأي من الأدباء أو القصصيين، بل يفوقهم الكثير، ويفوقهم بما هو أكثر من الكثير.
ولئن كان هوميروس يحتل بين الشعراء المكانة الأولى منذ الأزل حتى اليوم، فإن ملحمتيه «الإلياذة» و«الأوديسة» لتحتلان كذلك الصدارة من دون ما وصلنا حتى عصرنا من ملاحم وقصص رائعة.
هذه إذن «أوديسة» هوميروس، ملحمة هذا الشاعر الفطحل، وهي قصة شعرية بل ملحمة قصصية راسخة متينة البنيان، مكينة الأركان، تصور لنا أمورا لها العجب العجاب، وترسم لنا أحداثا يشيب لهولها الولدان، وتحمل إلينا أجواء مفعمة بالعجائب والغرائب تبهرنا بروعتها، فتزهق أرواحنا حينا، وتبعث الأنفاس فينا طورا.
البطل أوديسيوس
Неизвестная страница