3
أمره، فلبس في الحال في قدميه صندليه الجميلين، الخالدين الذهبيين، اللذين طالما حملاه عبر مياه البحر، وخلال البلاد المترامية الأطراف، في سرعة دونها هبات الرياح. وتناول العصا التي ينيم بها عيون من يشاء، كما يوقظ بها آخرين من النوم أيضا، فطار أرجايفونتيس القوي، وهذه في يده، فوق بييريا
، هابطا من الفضاء العلوي، وانحدر هاويا إلى البحر، مسرعا فوق اللجج الصاخبة أشبه بغراب البحر، الذي يبلل ريشه السميك بالماء والملح وهو يبحث عن السمك فوق الدوامات الهائلة لليم الزاخر، فركب هيرميس الأمواج العديدة، في صورته هذه. ولما بلغ الجزيرة النائية، خرج لتوه من البحر البنفسجي إلى البر، وانطلق في سبيله حتى وصل إلى كهف كبير، كانت تقيم فيه الحورية الجميلة الغدائر، فوجدها في داخله تشعل نارا تتأجج في المدفأة، وكان يفوح من بعيد أريج نبات السدر والعرعر، المقطوعين وهما يحترقان. أما الحورية فكانت في داخل الكهف تغني بصوت رخيم، وهي تذرع المكان جيئة وذهابا أمام المنول، تنسج بمكوك ذهبي. وكانت تنمو حول الكهف غابة جميلة، غنية بأشجار الحور والسرو الذكي الرائحة، حيث اعتادت جوارح
4
الطير أن تبني عشاشها، من بوم وصقور، وغربان البحر ذات الألسنة الثرثارة، التي لا تنفك تعمل فوق البحر. وحول الكهف كرم كثيف محمل بالعناقيد الكثيرة في ريعان كبريائه. وكانت هناك أربع نافورات في صف واحد، واحدة بقرب الأخرى، ينبثق منها الماء صافيا. كما كانت هناك مروج ناضرة من النرجس والعرعر فوق ذلك الخالد، الذي تصادف مجيئه في تلك الآونة، مشدوها مدهوشا مبتهجا. هناك وقف الرسول أرجايفونتيس، يتعجب، وبعد أن أبدى تعجبه من كل شيء في قرارة نفسه خطا في الحال داخل الكهف الفسيح، ولم تعجز الربة الجميلة، كالوبسو عن معرفته عندما أبصرته وجها لوجه؛ لأن الآلهة تعرف بعضها البعض الآخر، مهما كان مسكن أحدهما قصيا، ولكنه لم يجد أوديسيوس، العظيم القلب بالداخل؛ لأنه كان جالسا يبكي فوق الشاطئ، كما كانت عادته، معذبا روحه بالدموع والأنين والأحزان، وكان يتطلع إلى البحر الصاخب وهو يذرف الدموع السواجم. وبعد أن أجلست كالوبسو، الربة الفاتنة، هيرميس فوق كرسي لامع براق، سألته قائلة: «أي هيرميس، يا ذا الصولجان الذهبي، ما سبب مجيئك، أيها الضيف النبيل الذي نرحب بمقدمه؟ فلم يسبق أن جئتنا من قبل، هات ما عندك؛ فإنني على استعداد لتنفيذه، إن كان في حدود مقدوري، وإذا كان أمرا ممكن التنفيذ. والآن هيا معي، حتى أقدم لك وليمة.»
كالوبسو تستضيف هيرميس
وصل أوديسيوس إلى كهف كبير كانت تقيم فيه الحورية الجميلة الغدائر.
قالت الربة هذا، ثم وضعت أمامه مائدة حافلة بالأمبروسيا، ومزجت النكتار
5
الوردي. وهكذا شرب الرسول أرجايفونتيس، وأكل. وبعد أن تناول كفايته من الطعام، رد عليها وخاطبها بقوله: «إنك أيتها الربة تسألينني، أنا الإله، عن سبب مجيئي إليك، وعلى ذلك سأقضي إليك بالحقيقة، وأكون صريحا معك، طالما قد طلبت مني ذلك. إنه زوس الذي أمرني بالمجيء إلى هنا ضد رغبتي؛ فمن ذا الذي يستطيع بمحض إرادته أن يسرع عبر هذا الخضم الفسيح من ماء البحر الملح، الذي يفوق الوصف؟ كما أنه ليست هناك مدينة قريبة للبشر، يقدمون فيها للآلهة الذبائح والنذور المئوية المنتقاة. غير أنه ليس لأي إله آخر أن يعصي أوامر زوس أو يخيب رجاءه، فيقول زوس، حامل الترس، إن لديك هنا رجلا بائسا أشد البؤس وأمضه، أكثر من أي محارب ممن قاتلوا لمدة تسع سنين حول مدينة بريام، وفي السنة العاشرة نهبوا المدينة ورحلوا عائدين إلى الوطن. بيد أنهم في أثناء الطريق، اقترفوا إثما ضد أثينا، فأرسلت ضدهم ريحا صرصرا عاتية، وأمواجا صاخبة،
Неизвестная страница