275

Арабские писатели в эпоху Аббасидов

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Жанры

وقد حق لأبي فراس أن يستوي على الدرجة الرفيعة مع الشعراء، ولكن الأدباء المتقدمين لم يلتفتوا إليه كل الالتفات لأسباب منها أن معاصرته لأبي الطيب أخفتت صوته، كما أخفتت أصوات غيره من أصحاب الشعر، إلا أن أبا فراس كان أظهر منهم لمكانته في دولته. ومنها أن المتقدمين كانوا يبنون مقاييس الفحولة على المدح والهجو؛ فمن لم يشهر بهما لا يعد في الفحول. ولم يكن بأبي فراس حاجة إلى هذين الفنين فلم يصطنعهما، فانحدرت منزلته بعض الشيء ولم يعدوه في الطبقة الأولى، ولكنهم ختموا به الشعر، وفضلوه على ابن المعتز. وبين هذين الشاعرين شبه، فكلاهما ملك قال الشعر متلهيا لا متكسبا، ونظمه في الفخر والغزل والإخوانيات، إلا أن حياة ابن المعتز كانت راحة ورخاء، فأكثر من وصف الرياض والحدائق، ومجالس اللهو، وغدوات الصيد، فغلبت الصنعة على شعره. وكانت حياة أبي فراس حربا وأسرا، فأجاد الفخر والحماسة وأبدع في رومياته، وغلبت على شعره العاطفة؛ لأنه لم يتكلفه تكلفا، وإنما جرى به طبعه الصحيح، وهو في أشد حالات التأثر محاربا كان أو أسيرا.

واستسلامه إلى العاطفة المطلقة جعل في خياله ضيقا، فلم ينفسح له مجال التصوير والتزيين؛ فقد كان يصف حالته في الأسر كما يحسها ويشعر بها، لا كما تجسمها المخيلة وتوسعها. وكان يصف الحروب، ويذكر الوقائع دون أن يلجأ إلى الخيال لتلوينها وتعظيمها فعل المتنبي، فصوره الخيالية قصيرة الخطى، قريبة المدى، ولكنها لطيفة محببة.

وتمتاز لغته في حسن اختيار الألفاظ وجمال التعبير، ففيها الجزالة وشدة الأسر في موضع الشدة، وفيها الرقة والسهولة في موضع الحنو. وجدير بنا أن ننصف أبا فراس فنقول: إنه جيد الشعر في حماسياته، مبدع في رومياته، شاعر العاطفة في كلتيهما. وهو الشاعر الملك، والملك الفارس، والفارس الأسير.

هوامش

الفصل التاسع

الكتاب المولدون

العصر الثالث (1) ميزة النثر

تبدل النثر ميزة جديدة ظهرت في إنشاء المترسلين، ووضعت لها القواعد والأصول، وأقيمت الأهداف والحدود، فكان منها أسلوب واضح المعالم، يعتمد على الصناعة والتنميق. والترسل منذ نشوئه قائم على الصنعة والتزيين؛ لأنه وليد المواطن الأرستوقراطية المترفة، فقد كان أصحابه الأوائل، إما وزراء وأمراء، وإما متقربين إلى الوزراء والأمراء، ومعظمهم من الموالي المستبحرين في الحضارة، فكان الزخرف والتنوق في العبارة من أخص غاياتهم. ولا بدع فترف الألفاظ من اتباع ترف الحياة ولا سيما الترسل فإن أغراضه قليلة، فإذا لم يحسن فيه تصريف الكلام، ضعف شأنه وانحطت منزلته. ولكنه كان في الأعصر الأولى غير بين التكلف لصحة طباع أهله، ثم تداولته الأجيال، فسارت به الصنعة في طريق الكمال بعامل النشوء والارتقاء. فما إن اكتهل العصر الثاني حتى بات المترسلون يلتزمون المحسنات اللفظية والمعنوية التزاما، ويتكلفونها تكلفا.

وكأن الأقدار أبت إلا أن يظل الترسل في أيدي الأعجام يتعهدونه بأذواقهم حتى يبلغوا به أقصى حدود الفن والصناعة. وأتاحت له كاتبين بليغين عبدا طريقه بما لهما من واسع السلطان، وبراعة الإنشاء، ألا وهما ابن العميد وزير ركن الدولة، والصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة ففخر الدولة، فارتفع شأن الترسل بهما، وتعشقه الكتاب، وجلهم عجم متقربون إلى الحضارة، فاحتذوا مثالهما، وساروا بالأسلوب الجديد إلى أعلى درجاته، ونبغ فيهم أمثال أبي بكر الخوارزمي، وأبي إسحاق الصابي، وبديع الزمان الهمذاني، وأبي منصور الثعالبي وسواهم. (2) إنشاء المترسلين

يتناول الترسل عدة أغراض متلونة، فمنها الإخوانيات على اختلاف أبوابها، ومنها مقدمات الكتب، ومنها مناظرات الأدباء كمناظرة أبي بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمذاني، أو مناظرة المتنبي والحاتمي، ومنها المناظرات السياسية كمناظرات الشيعة والعباسيين، والشعوبية والعرب، ومنها المقامات وسنفرد لها بحثا خاصا بها. وأمعن المترسلون في الوصف حتى جاروا الشعراء في خيالهم؛ فوصفوا القصور والحدائق والرياض، والأزهار والبرك والجداول والأنهار والبحار، والسفن والزوارق، والزينة والرياش، والحلي، وآلات الطرب، والأطعمات والأشربات، والأواني، والفصول، والليل والنهار، والغيوم والمطر، والرعود والبروق، والصيد والوحوش والطيور، والعواطف والشهوات. وتماجنوا في وصف الإماء والغلمان، ومجالس اللذة والطرب.

Неизвестная страница