Наследие и обновление: наше отношение к древнему наследию
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Жанры
21
ولكن الأنثروبولوجيا المعاصرة هي دراسة لنشأة الإنسان وليس لماهية الإنسان، كما أنها دراسة للبدن وللتطورات التي طرأت على الهيكل العظمي عبر التاريخ، وليس دراسة للفكر أو الحضارة إلا في الأنثروبولوجيا الحضارية، ولكن كثيرا من مشاكل علم الكلام يوجد حلها في العلوم الأخرى، فالإمامة تدخل في العلوم السياسية، والعقل والنقل يدخلان في نظرية المعرفة ومناهج البحث لأنها مشكلة منهجية، وخلق الأفعال يدخل في علم النفس، والتوحيد في علم النفس الاجتماعي، والفلسفة أيضا يمكن تحويلها إلى علم إنساني، وذلك بوصف وضع الإنسان في العالم، وتحليل الخبرات الشعورية عند الإنسان وإدراك معانيها يمكن أن يدخل المنطق في الفلسفة القديمة كجزء من مناهج البحث، والطبيعيات كجزء من علم الطبيعة، وترد الإلهيات إلى علم النفس الاجتماعي أو إلى علم اجتماع المعرفة.
وإذا كان التراث قد أعطانا علوما عقلية عبر فيها عن آخر ما وصلت إليه قدراته من تعقيل للنص، وتنظير للوحي، وإذا كان التجديد باستطاعته تحويل هذه العلوم التقليدية إلى علوم إنسانية، فإن العصر الحاضر يود القيام بخطوة أكثر تقدما وهي تحويل العلوم الإنسانية وريثة العلوم التقليدية إلى أيديولوجية، وتلك هي الغاية القصوى من «التراث والتجديد» فإذا قال القدماء: الإنسان حيوان ناطق فإننا نقول: الإنسان حيوان أيديولوجي، فالعلوم العقلية القديمة بتحويلها إلى علوم إنسانية معاصرة يمكن بعد ذلك تحويلها إلى أيديولوجية تجيب مطالب العصر، والأيديولوجية ليست مجرد مجموعة من الآراء والنظريات تعطينا تصورا للعالم قائما على أساس التاريخ والطبقة، ولا تطابق الواقع في شيء بل الأيديولوجية علم، وعلم نظري وعملي على السواء، الأيديولوجية علم نظري لأنها تعبير نظري عن مطالب الواقع، وعلم عملي لأنها تعطي وسائل تحقيقها بعفل سلوك الجماهير، فإذا كانت بداية العلوم العقلية التقليدية هو الوحي فإن نهاياتها هي الأيديولوجية، «التراث والتجديد» في النهاية إن هو إلا تحويل للوحي من علوم حضارية إلى أيديولوجية أو ببساطة تحويل الوحي إلى أيديولوجية، وارتباط الأيديولوجية بالواقع، وتعبيرها عن عصر معين لا يعني أنها متطورة ومتغيرة باستمرار، فالوحي أيضا علم للمبادئ العامة التي يمكن بها تأسيس العلم ذاته وتأسيس العلوم الجزئية، والتي يمكن أن تكون الأساس العقلي للأيديولوجية، تكون مهمة «التراث والتجديد» إذن تحويل الوحي إلى علم شامل يعطي المبادئ العامة التي هي في نفس الوقت قوانين التاريخ وحركة المجتمعات، فالوحي هو منطق الوجود. (4) الخطة العامة لمشروع «التراث والتجديد» «التراث والتجديد» هو العنوان العام للبحث كله لأنه لا يعالج فقط مناهج البحث في التراث القديم بل يعالج التراث ذاته كمشكلة وطنية هي مشكلة الموروث وأثره النفسي على الجماهير وموقفنا بالنسبة له، ووسائل تطويره وتجديده، فالمعركة الحقيقية الآن معركة فكرية وحضارية ولا تقل أهمية عن المعركة الاقتصادية أو المعركة المسلحة إن لم تكن أساسها، وإن الهزيمة المعاصرة هي في جوهرها هزيمة عقلية كما أنها هزيمة عسكرية، وإن الخطر المدهم الآن ليس هو فقط ضياع الأرض بل قتل الروح وإماتتها إلى الأبد، وانجرارنا إلى نقد الأصالة في تراثنا القديم ونقدنا المعاصرة التي حاولها تراثنا القديم مع الثقافات المعاصرة له، «التراث والتجديد» هو مشروع الأصالة والمعاصرة التي لم نستطع أن نحققها حتى الآن، وبعد توالي الهزائم، ولم نكن نلمسها إلا دعاية أو ادعاء.
ويشمل التراث والتجديد ثلاثة أقسام، تعبر عن موقفنا الحضاري الحالي الذي يحدد اتجاهات الدراسة والبحث. (4-1) القسم الأول: موقفنا من التراث القديم
ويهدف هذا القسم إلى إعادة بناء العلوم التقليدية ابتداء من الحضارة ذاتها، بالدخول في بنائها، والرجوع إلى أصولها لبيان نشأتها وتطورها، سواء بالنسبة إلى كل علم أو بالنسبة لمجموع العلوم، ويتم ذلك بالإشارة إلى هذه الأصول نفسها، والبدء منها واستعمال لغتها، والتفكير مع مؤلفيها بدون أية إشارة إلى عوامل خارجية من ظروف أو تأثرات إلا إذا اعتبرت هذه الظروف كمثيرات وهذه التأثرات كتشكل كاذب، وهي العملية التي تتم بين اللغة والفكر، التعبير عن مضمون الفكر بلغة جديدة، فلا توجد أية إشارات إلى حضارات أخرى معاصرة قديمة أو حديثة لأن هذا القسم الأول يعيد العلوم التقليدية من الداخل وليس بإرجاعها إلى مصادر خارجية عنها أو تطويرها بتطبيقها على علوم في حضارات أخرى، كل ما يهدف إليه هذا القسم هو أن تدور عملية الحضارة، وأن تسير من جديد حتى يعاد ربط الفكر بالواقع، والعلوم بالتاريخ، أما ما يبدو وكأنه صادر لا محالة من حضارة أخرى سواء في اللغة أو في المفاهيم أو في المناهج، وكان الأمر كذلك، فإن ذلك كله له أصوله في التراث وله واقعة في واقعنا المعاصر إما من حيث المطلب أو من حيث الثقافات الشائعة المتداولة السارية في ثقافتنا المعاصرة، لقد أصبح ذلك كله جزءا من وجداننا المعاصر، ولم يعد دخيلا عليه، واستعمال ألفاظ الفكر، والواقع، والشعور، كل ذلك له ما يرادفه في التراث القديم، وله ما يبرره في تحليلات الواقع وإن كان لها ما يشابهها في الثقافات الأخرى المجاورة التي دخلت ثقافتنا المعاصرة بفعل التقاء الحضارات، وذلك لا يتعدى استعمال أساليب العصر وليس استعمالا لأساليب مستعارة.
ويشمل القسم الأول من «التراث والتجديد» وهو «موقفنا من التراث القديم» ثمانية أجزاء، كل جزء خاص بعلم قديم، ثم جزء ثامن على النحو الآتي:
الجزء الأول: علم الإنسان
وهو محاولة لإعادة بناء علم أصول الدين التقليدي، وقد بدأنا بهذا العلم لأنه أول العلوم الإسلامية من حيث الظهور، ومرتبط بالبيئة الإسلامية أشد الارتباط، ولم يخضع لأي أثر خارجي في نشأته، بل كان الدافع عليه الأحداث السياسية التي زخر بها العالم الإسلامي منذ الفتنة مما حدا بالبعض إلى اعتبار هذا العلم هو الفكر الإسلامي الأصيل، كما أنه أخطر العلوم التقليدية على الإطلاق على الإنسان والحياة، والفلسفة ذاتها تمثل تقدما بالنسبة له، وأقل خطورة منه، وهو العلم الذي يمكن بواسطته سد النقص النظري في واقعنا المعاصر، والذي يمكنه أن يمدنا بأيديولوجية عصرية، تشمل على لاهوت الثورة، ولاهوت الأرض، ولاهوت التحرر، ولاهوت التنمية، ولاهوت التقدم، وهو العلم الذي يعرض للوحي في أساسه النظري، والذي يمس لب الدين وجوهر العقيدة، والذي يعرض لحقيقة الإيمان؛ لذلك سماه القدماء الفقه الأكبر.
22
الجزء الثاني: فلسفة الحضارة
Неизвестная страница