Классическое наследие: Очень короткое введение
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
يبدأ كتاب مهم عن مسرحيات الكاتب المسرحي الأثيني سوفوكليس بوصف مثير للمشاعر لمعبد باساي جاء فيه:
في موضع مرتفع بجانب الجبل، وفي جزء منعزل وعر من أركاديا، ينتصب ضريح ناء لزيوس الذئب. يلمح أفلاطون إلى أسطورة مفادها أنه كان يجري التضحية بقرابين بشرية على نحو منتظم هناك، وأن الكاهن الذي يشارك في تناول اللحم البشري كان يتحول إلى ذئب. وعلى الجانب الآخر من الوادي بعيدا عن هذا المكان المقبض، في بقعة ذات جمال بري مقفر، في مكان يعرف باسم «الوادي الصغير المنعزل»، شيدت باساي، وهي مدينة إغريقية صغيرة، معبدا متقنا من أجل أكثر آلهتها تحضرا؛ أبوللو المغيث، أو المعين. ومع اقتراب الزوار من معبد باساي هذا قادمين من مدينة فيجاليا، مثلما فعل القدماء، فإنهم يواجهون بصراع بصري مذهل بين الحضارة والهمجية؛ فقبالة الزائر القديم كانت تنتصب الأعمدة وزخارف المدخل ذات الهندسة المنتظمة، وذلك أمام خلفية من قمم الجبال المتعرجة الممتدة على مرمى البصر. وهذا المعبد المنفرد غير المتوقع وجوده في هذه البقعة المقفرة، يبدو في عشوائيته مثالا للشكل الخالص والتصميم البشري، وكأنه جرة إغريقية أو إيقاعات جوقة مسرحية تراجيدية. لكن خلف المعبد مباشرة يبرز الجبل؛ حيث انتهكت طائفة بدائية مروعة أحد أوائل قوانين الحضارة البشرية كما عرفها الإغريق؛ تحريم أكل لحوم البشر (سي سيجال، التراجيديا والحضارة (1981)).
كما رأينا في الفصل الأخير، فإن هذا التجاور المتعارض للهمجية والصفاء يتواصل داخل المعبد؛ حيث يظهر الإفريز الجهد البطولي وسط الارتباك والانتهاك الهمجي، وذلك في تأكيد لطقوس الزواج والأدوار الجنسانية التي حددت الحياة الإغريقية المتحضرة ، بينما وقف التمثال الطائفي في ضريحه الداخلي المنعزل وهو يلمع في سكينة بفعل ضوء الشمس المشرقة، مانحا الغوث الهادئ لعباد أبوللو ولعموم البشر المعذبين. يمكن النظر إلى معبد باساي بوصفه يلخص الصراعات المتوارثة في التراجيديا الإغريقية - وليس في مسرحيات سوفوكليس وحدها - بين التناغم الكلاسيكي والعنف العدواني.
ظلت الصراعات والصدامات بين «الطبيعة» و«الثقافة» موضوعا قويا في الأعمال الحديثة المؤلفة عن العالم القديم، كما رأينا في الفصل السادس حين نظرنا إلى كتاب فريزر «الغصن الذهبي» وكتاباته عن باوسانياس، ووجدناه مركزا على بقايا الغرابة البرية الكامنة أسفل قشرة الحضارة الخارجية. وقد أمده هذا بمقياس ل «تقدم الحضارة» (إذا استعنا بعنوان المنحوتة الموجودة في الجمالون الذي يعلو مدخل المتحف البريطاني، على نحو مماثل لما في المعبد الكلاسيكي) علاوة على درس تحذيري ضد أي رضا عن الذات داخل المهمة الإمبريالية الهادفة لتحويل الرعايا الوثنيين عن تخلفهم البدائي في إطار مشروع تطور البشرية، الذي ساد في القرن التاسع عشر. فأسفل سطح الانتصارات الحضارية للعالم الكلاسيكي مباشرة لا يزال يوجد كل أنواع السمات «البدائية».
إن التعارض بين الطبيعة والثقافة يضرب في قلب دراسة التراث الكلاسيكي، وصولا إلى الموضع الذي عرف فيه ما هو «كلاسيكي» وتشكل تحديدا من القيد الخالص الهادئ الحليم الذي يفرضه أبوللو في أرجاء الكون، ويرى فيه الإغريق، تحديدا، بوصفهم منشئي أي إحساس بالاستحقاق يمكننا تبينه في تقاليدنا الغربية الحديثة التي ألهمتها الثقافة الكلاسيكية. في أعقاب الحرب العالمية الثانية طرح كتاب شهير من تأليف إي آر دودز، أستاذ اللغة اليونانية بأكسفورد في خمسينيات القرن العشرين، بعنوان «الإغريق واللامعقول»، فكرة مفادها أنه من غير المنطقي أن «نعزو إلى اليونانيين القدماء تحصنهم من كل أنماط التفكير «البدائية» التي لا نجدها في أي مجتمع متاحة لنا ملاحظته على نحو مباشر.» كان لكتابه تأثير بالغ؛ إذ بين لدارسي التراث الكلاسيكي كيف كان الفن والأدب الإغريقيان مليئين بصور الهمجية والجنون والنشوة الديونيسية. في نظر دودز لم يقتصر الأمر على بقايا البدائية التي تحدث عنها فريزر، والكامنة أسفل قشرة كلاسيكية ، بل كانت الثقافة الكلاسيكية نفسها تتألف جزئيا من مثل هذه العناصر البدائية.
واليوم ربما نكون أكثر ميلا إلى أن نرى في إفريز معبد باساي كيف كان انتصار هرقل على الأمازونيات غير حاسم، وإلى أي مدى كانت هزيمة القناطير على يد اللابيثيين مكلفة. وبدلا من التأكيد على أن «الإغريق لم يكونوا همجيين»، بتنا نرى الآن الصلات الوثيقة بين النقاش بشأن الوحشية البشرية وأهل عالمنا ومناقشات شبيهة داخل الثقافة القديمة. إن مواجهة أسوأ ما يمكن أن يتخيل البشر فعله بعضهم لبعض، وفعله لأنفسهم، هي أساس التراجيديات الإغريقية التي كتبت ومثلت في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، والتي تعد من أكثر الأعمال الأدبية التي وصلتنا من العالم القديم تأثيرا ووقعا في النفس.
الجمهور
كانت مسرحيات سوفوكليس، ومسرحيات إسخيلوس ويوربيديس، من الكلاسيكيات بالفعل في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد منحت دورا قويا في المناهج التعليمية منذ ذلك الوقت فصاعدا، وذلك في مجتمعات تمتد من مقدونيا إلى مصر وسوريا وتركيا وصولا إلى تخوم الهند؛ مجتمعات كانت تعلم أبناءها كيف يكونون من «الإغريق». الأمر ينطبق أيضا على صفوة المجتمع الروماني، التي علمت أبناءها كيف يكونون «متحضرين» عن طريق التعرض لثمار الثقافة الإغريقية. وبهذا لعبت هذه المسرحيات التراجيدية دورا محوريا بوصفها مناقشات حية للأعراف والقيود التي على المجتمع البشري والفرد نفسه أن يقاتل من أجل الحفاظ عليها، وإلا فسيتمزق المجتمع إربا في خراب وفوضى دنسة. إن قوة النصوص، وجودة أفكارها، وقدرتها على توصيل الأهوال؛ كلها أمور تسيطر على الجمهور في أي مسرح، وهو ما تثبته المسرحيات الإغريقية التراجيدية الثلاث المعروضة وقت تأليف هذا الكتاب، بمسارح مكتظة بالجمهور في منطقة ويست إند غربي لندن. علاوة على ذلك، يمكن لأي فصل دراسي أن يؤكد صحة هذا، من خلال تمثيل أي نص أو ترجمة، وبأي فريق تمثيل.
إن المسرحيات التراجيدية مزيج غريب من العنف والنقاش المصاغ في إطناب على نحو أنيق. والقصص التي تعرضها هذه المسرحيات تتمحور حول الأفعال الشنيعة والكروب. على سبيل المثال، في مسرحيات سوفوكليس عن عائلة أوديب (أوديب ملكا، أوديب في كولون، أنتيجون)، يكتشف أوديب أنه رغم كل الجهود التي بذلها للهرب من اللعنة التي تطارده، فإنه قتل والده الحقيقي، وتزوج والدته، وأنجب منها أطفالا، ويكتشف أوديب في بحثه عمن تسبب في جلب الطاعون إلى مدينته، مدينة طيبة، أنه هو المجرم نفسه، فتقتل زوجته نفسها، ويفقأ أوديب عينيه، ويلعن أبناءه (إخوته)، الذين يهوون لاحقا بالمدينة في أتون الحرب الأهلية، ويقتل بعضهم بعضا في المعركة. وحتى وقتها، لا يزال هناك أفراد لعائلة أوديب يعانون ويموتون، من أجل - وعلى يد - بعضهم بعضا. وبينما تتلاقى خيوط كل حبكة قبل أن يحل الهول الوشيك على خشبة المسرح، تتفاوت أغنيات جوقة الراقصين والراقصات - أغنيات للفرح والخوف والثناء والتأسي - مع المواجهات التي تقع بين شخصيتين أو ثلاث من الشخصيات الرئيسية. هذه الشخصيات قد تلقي خطبا رسمية كي تعرض قضيتها، وتصنع فخاخا شريرة بتواضعها الزائف، أو تنخرط بعضها مع بعض في تراشق لفظي من سطر واحد. إن نطاق النبرات الخاص باللغة الشعرية واسع، وكل مسرحية تأخذ خطا خاصا بها، سواء التوصيل المستتر للمعنى المقصود أو السخرية من الذات أو حتى الرومانسية في بعض الأحيان.
ومع ذلك فنصوص المسرحيات التراجيدية، كما أوضحنا في نهاية الفصل السابق، هي نتاج للسياق المؤسسي الخاص في مدينة أثينا القديمة، ورغم كل ما تحمل من طاقة متجددة فإنه يجب استيعابها من هذا المنطلق. إن الصراع بين الطبيعة والثقافة داخل سيناريو الحبكات الدرامية أعيد إنتاجه في سيناريو عملية إنتاج وتمثيل هذه المسرحيات؛ فهذه المسرحيات التراجيدية أنتجت للمرة الأولى في الاحتفالات الخاصة بالإله ديونيسوس؛ الإله المراوغ لشرب الخمر والتحرر من القيود. لكن هنا، في التواريخ المحددة في التقويم الرسمي، أحضر ديونيسوس داخل حدود المدينة، كجزء من الحياة الاجتماعية المنظمة للمجتمع. بعبارة أخرى، كان المواطنون الأثينيون المجتمعون يجلسون ويشاهدون المسرحيات في مسرح ديونيسوس على هضبة الأكروبول تحت معبد البارثينون (انظر الخريطة رقم
Неизвестная страница