وتتعهد بالالتجاء إلى كل سبيل يمكنها منه القانون الدولي والمحافل الأممية حتى تتخلص في أقرب وقت ممكن من نظام ينافي حق الشعوب في التحكم في مصيرها واختيار نظام الحكم الذي ترتضيه لنفسها.
ولم تكتف تلك المنظمات بالاحتجاج، بل رأت ضرورة القيام بعمل واسع النطاق لعل الحكومة الفرنسية ترجع إلى رشدها، وتبر بوعودها فقررت الإضراب العام لمدة ثلاثة أيام (21 و22 و23 ديسمبر 1951) كإنذار أول للاستعمار الفرنسي، وبينت دواعي ذلك القرار في الصحافة. «إن جواب الحكومة الفرنسية يعتبر رفضا صريحا لجميع المطالب التونسية، وإن في موقفها نقضا للمعاهدات المحددة للعلاقات بين تونس وفرنسا؛ لأنها جزمت لأول مرة بصفة رسمية مبدأ السيادة المزدوجة وأعلنت مبدأ تفوق مصالح جالية أجنبية على المصالح الوطنية لشعب بأسره.»
وكان الإضراب عاما شاملا كاملا في الأيام الثلاثة في جميع القطر التونسي.
وإن الحكومة الفرنسية تحمل وحدها مسئولية قطع المفاوضات بتلك الطريقة المخجلة؛ إذ إنها أعلنت مناصرتها لآراء جاليتها وأكدت بوجوب المحافظة على امتيازاتها الفاحشة، وقد علق «ميتران» وزير الدولة الفرنسي في جريدة «لوكورييى دي لانيافر» قائلا: «يحسب بعض الفرنسيين حسابا خطيرا عندما يحاولون احتكار جميع ما قامت به فرنسا لمصلحتهم وحدهم، فيظهرون القلق أمام كل ما يمكن أن يبدد سيطرتهم؛ لأنهم يملكون أكثر وسائل الإنتاج.»
وقد كان جواب الحكومة الفرنسية فاتحة عهد كله اضطرابات واعتداءات متوالية وتخريب وتنكيل ودمار وعذاب ودموع ودماء، وقد أوعزت جريدة «ليموند» الفرنسية تلك الحوادث المؤلمة إلى عدم تروي الحكومة الفرنسية، وأرجعتها لسببها الأول وهو رد 15 / 12 / 1952: «كان في الإمكان تجنب الحوادث لو ضبطنا - من غير سوء نية - جميع المراحل الواجب قطعها عندما قررنا سياسة تحرير تونس.
وكان في الإمكان التكهن بأن المعاهدات لا تسمح لنا بالاحتفاظ بالإدارة المباشرة في تلك البلاد، وأن التونسيين لن يقنعوا بالكلم الطيب وحده، وأن قوتنا الحقيقية في أن نبر بوعودنا ونحقق الصداقة الفرنسية التونسية.
إن إبعاد بورقيبة والاتجاه إلى الأمم المتحدة - والأمران مرتبطان - نتيجة مباشرة لرسالة 15 ديسمبر الحمقاء، ومن الواضح الجلي أن محور تلك الوثيقة أراد مجاملة أنصار التجمع الفرنسي للجالية الفرنسية بتونس، وضرب الوزراء التونسيين، وكان ذلك خاتمة حملة طويلة قام بها نواب الموظفين الفرنسيين الصغار والمعمرين لإفساد ما قررته الحكومة الفرنسية من سياسة التحرير على مراحل.»
وقد لخص زعيم تونس الحبيب بورقيبة في منفاه للصحفيين الحالة، ونشرت جريدة الفيجارو الفرنسية تصريحه بتاريخ 22 / 1 / 1952 قال: «يجب على الحكومة الفرنسية أن تعترف بأن التونسيين قد بلغوا رشدهم وأنه من حقهم أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.»
وإن رفض فرنسا لجميع مطالبنا لم يبق مجالا إلا لأحد الحلين؛ إما مقابلة القوة بالقوة، وإما رفع الخلاف إلى الأمم المتحدة.
ولم تلجأ تونس إلى استخدام القوة؛ إذ ليس لها جيش وليس لها سلاح وليس لها قوة غير قوة الشعب المتكتل وقوة الحق والعدالة، فرفعت قضيتها إلى هيئة الأمم المتحدة لتكون حكما بينها وبين فرنسا، بعدما انقلبت الحماية عدوانا والرعاية اغتصابا، وظهر جليا أن الحكومة الفرنسية بجوابها 15 / 12 / 1951 لا تضمر إلا الشر المبيت لتونس، وقد صمت آذانها عن كل مفاهمة ومدت يدها إلى السيادة التونسية، تريد القضاء عليها، وقالت كلمتها النهائية التي تتحدى فيها الرأي العام العالمي والمواثيق الدولية متمسكة بمبادئ الماضي المظلم من أن من حق القوي المسلح الفتك بالضعيف الأعزل وإخضاعه وسلبه حقوقه، فلم يبق أمام الحكومة التونسية إلا أن قررت رفع الخلاف بين الدولة الفرنسية والدولة التونسية إلى هيئة الأمم المتحدة، فسافرت من تونس بعثة وزارية مؤلفة من الأستاذين صالح بن يوسف وزير العدل، ومحمد بدرة وزير الشئون الاجتماعية، وقدما بتاريخ 14 / 1 / 1952 عريضة إلى الأمانة العامة لهيئة الأمم، وهذا نصها، وهي غنية عن كل تعليق:
Неизвестная страница