Зеленый Тунис
تونس الخضراء
Жанры
وقد عملت الحكومة البريطانية ما تستطيع أثناء سير الحرب بين الروسيا والدولة العثمانية؛ لإثبات وجهة نظرها ولتشجيع الدولة العثمانية على إطالة مدة المقاومة، مما حمل معارضي الحكومة على اتهامها بأنها ترمي لإعلان الحرب على الروسيا. كما حاولت تأليف ما سمته «حلف البحر الأبيض المتوسط» من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا واليونان والنمسا؛ لصيانة مصالح دول الحلف التجارية والسياسية في ذلك البحر، واتخاذ ما يلزم لمنع مسها بأذى، ولم يؤد هذا إلى نتيجة ما، فقد خشيت فرنسا وإيطاليا مغبة التورط في عمل إجماعي كهذا، أما النمسا فمجال سياستها أوسع من ذلك البحر، وتفاهمها مع الروسيا وألمانيا حقيقة واقعة، واليونان وحدهم لا يؤلف منهم أحلاف - والمفاوضات الخاصة بهذا الحلف جديرة بالعناية، فقد جعلت الحكومة البريطانية لا تؤمن بالسياسة الإيطالية بصفة خاصة، وسيكون لهذا أثره فيما بعد في استيلاء فرنسا على تونس.
بعد هذه المحاولة عادت الحكومة البريطانية إلى العمل الانفرادي، فعبر الأسطول البريطاني في 14 فبراير 1878م مضيق الدردنيل، على الرغم من احتجاج الحكومة العثمانية - واستقال وزير الخارجية اللورد دربي كارها ما يمكن أن يؤدي إلى حرب مع الروسيا، وتولى سالسبوري وظيفته، وفي 3 مارس 1878م وقعت الدولة العثمانية صلح سان استيفانو وكانت شروطه معروفة.
وقد أخذت الحكومة البريطانية تعمل من جانبها لصيانة مصالحها في الظروف الجديدة التي كشف عنها انهيار الدولة العثمانية.
لقد كشف ذلك الانهيار عن استحالة إقامة الحكومة العثمانية على ساقيها، فلا بد لها من أن تتكئ على سند [من خطاب من سالسبوري لبيكونز فيلد بتاريخ 21 مارس 1878م، الوثيقة رقم 142 من كتاب أسس السياسة البريطانية]. أما فيما يتعلق بممتلكاتها في أوروبا، فهذه - إن قريبا وإن بعيدا - مقدر عليها الزوال، والمسألة هي أنه ينبغي للسلطان لأجل الاحتفاظ بممتلكاته في آسيا من حليف. هذه الممتلكات شأنها غير شأن ممتلكاته في أوروبا، فليسوا أمما تسعى للاستقلال وما إليه، فمعظمهم مسلمون، والحكم العثماني أصلح ما يمكن لمسلمين الحصول عليه (إذا استثنينا الحكم البريطاني)، فينبغي إذن أن نعاون الدولة العثمانية على الدفاع عن تلك الأراضي في آسيا وحسن إدارة شئونها، ولا نستطيع أن نفعل ذلك إلا إذا استولينا على قواعد أقرب لتركية آسيا من مالطة [من كتاب من سالسبوري لسفير إنجلترا بالقسطنطينية بتاريخ 9 مايو 1878م - الوثيقة رقم 145 من كتاب أسس السياسة البريطانية].
تفسر هذه الآراء الاتفاق الذي عقد بتاريخ 4 يونيو 1878م، الذي تسلمت الحكومة البريطانية بموجبه جزيرة قبرص، كما تفسر أيضا اتفاق الحكومتين البريطانية والنمساوية بتاريخ 6 يونيو 1878م على توحيد غاياتهما في المؤتمر نظير السماح للحكومة النمساوية باحتلال إقليمي البوسنة والهرسك.
بعد هذه التمهيدات وغيرها اجتمع المؤتمر في برلين، وتولى رياسته بسمارك. أعلن في أثنائه الاتفاق الخاص بقبرص، وثارت ثائرة الوفد الفرنسي - وكان لا بد من إرضائه للوصول بسفينة المؤتمر لبر السلامة، وعمل بسمارك من جانبه على إصلاح ما بين الإنجليز والفرنسيين، فكان عرض تونس على فرنسا، وتم هذا العرض واضحا، قال سالسبوري لوادنجتون رئيس الوفد الفرنسي ببرلين ووزير الخارجية: «افعلوا بتونس ما تريدون. إنكم ستضطرون لامتلاكها، لا يمكنكم ترك قرطاجنة للبرابرة.» وكرر ذلك اللورد بيكونز فيلد، وأكده نفس ولي العهد البريطاني في باريس [راجع في ذلك - على سبيل المثال - الوثيقة رقم 330 من المجلد الأول في مجموعة الوثائق الفرنسية: رسالة من وادنجتون لداركور سفير فرنسا في لندن بتاريخ 21 يوليو سنة 1878م].
وقد شرعت وزارة ديفور (وهي الوزارة التي قبلت هذا العرض) تستعد فعلا لتنفيذه بالتمهيد له في تونس نفسها، ولكنها عدلت عنه، ولم يتم تحقيقه - كما نعرف - إلا في أثناء سنة 1881م، وعلى يد وزارة جول فري
Jules Ferry
بانية الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية الجديدة.
أكان ذلك لعدول الحكومة البريطانية عما وعدت به في 1878م؟ حقيقة أن موقف حكومة المحافظين، ثم حكومة الأحرار من وعود سنة 1878م كان له شيء من التأثير في تردد الحكومات الفرنسية المتعاقبة، إن ذلك الموقف لم يبلغ حد الإنكار أو النكوص، ولكنه اتخذ شيئا من تضييق التأويل، فقد قرر اللورد سالسبوري أنه حقيقة يذكر أنه قال الألفاظ التي أسندها له وادنجتون، ولكنه يذكر أنه لم يدر في خلده أنها تؤدي معنى عرض تونس على فرنسا؛ إذ كيف يستطيع منح ما ليس يملكه، وأضاف إلى ذلك أن الوعود الإنجليزية لا تفيد أكثر من إطلاق يد فرنسا في تونس بلا معارضة إنجليزية؛ أي أن إنجلترا نزلت عن كل ما تدعيه لنفسها في تونس، ولكنها لا تذهب إلى حد إرغام الغير (وتقصد بذلك إيطاليا) على النزول عن ادعاءاتها.
Неизвестная страница