تُحفَةُ المَجدِ الصَّريِح
في
شَرح كِتابِ الفَصِيح
"السفر الأول"
تأليف
أبي جَعفر أحمَد بن يوسُف الفِهري اللَّبلِيَ
(٦١٣ - ٦٩١ هـ)
دراسة وتحقيق
الدكتور/ عبد الملك بن عيضة بن رداد الثبيتي
الأستاذ المساعد في كلية المعلمين بمكة المكرمة
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
/ صلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وسلم.
قال الشيخ الحافظ اللغوي الأديب النحوي أبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف الفِهْريّ اللَّبلْيّ، أعز الله أيامه، ومكن في السعادة دوامه بمنِّه وكرمه إنه مُنعِم كريم:
الحمد لله المنفرد بالوجود الواجب، المنزه عن النِّدِّ المشابه والضَّدَّ المناصب، المتعالي عما اتصفت به الحوادث من الآفات والمعايب، الذي خلق آدم فأتقن خلقه من الطين اللازب، وصوره بيده في أحسن التقويم مخصوصًا بأكرم الخِيَم وأشرف المناقب، وأسجد له ملائكته تشريفًا لرتبته وتعريفًا بما خَطَّه من حُظْوَتِه في مسطور المقدور القلمُ الكاتب، وعلمه الأسماء كلها على اختلاف الألسن والمذاهب، فوضع على كل مسمى اسمه الخاص به المناسب، بعدما عجزت الملائكة عن مُضَمَّن السؤال والاستنباء في تلك المطالب، وردت ذلك إلى علم الله المحيط بالشاهد والغائب، ثم انتشرت اللغات في ذرية آدم الأعاجم منهم والأعارب، وأظهر الحق سبحانه شرف اللسان العربي بإسماعيل النبي فَتُنُوقلت اللغات في ذريته الأكارم الأطايب، إلى أن بعث الله تعالى سيدنا محمدًا خاتم النبيين وإمام المرسلين ﷺ بالقرآن العربي المبين فاعتلى قدر هذا اللسان/ بأعلى المراتب، ووجب لذلك تعلم اللغات العربية إذ بها يُفْهَمُ الكتاب والسنة ويستبين في تفسير مجملاته وإيضاح مشكلاته اللسن اللاحب، فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة نامية يملأ نورها ما بين السماء والأرض والمشارق والمغارب، وسلم كثيرا.
1 / 2
وبعد؛ فإن الوزير الأجل، والقائد الأعلى الأمجد، الأرفع الأحسب الأكمل، العماد الأشرف الأطول، ذا الشيم الجميلة؛ والفضائل الجزيلة، والهمة السامية إلى نيل كل منقبة وإحراز كل فضيلة، أبو بكر بن الوزير- الجليل الماجد الأرفع الأعلى الأحق كان بكل فضيلة، الأولى المبارك المعظم المقدس المرحوم- أبي الحسن وصل الله سعوده، وحفظ على المعالي والمآثر وجوده، أشار علي إشارة التصحيح بشرح كتاب الفصيح، حين استحسن ما شاهده من تفسيري لغريبه، وشرحي لمعانيه، وأستصوب تنبيهي عند الإقراء على سهو من نسب السهو لمؤلفه فيه، فأجبته إلى ما سأل، وبادرت إلى أمره الممتثل، وشرعت في عمله شروع من انشرح صدرًا بما ندب إليه، وأكببت على تتبع ألفاظه وتبيين معانيه، إكباب من بذل من الاجتهاد أقصى ما لديه، فشرحت الكتاب شرح استيفاء واستيعاب، وتكلمت على شواهد أبياته بما عن في معانيها من إغراب، وفي ألفاظها من إعراب، واستدركت ما يجب/ استدراكه، مذيلًا لكلامه وقاصدًا لإكمال ما تحصل الفائدة به وإتمامه، وانتصرت له حيث أمكنني الانتصار، ورددت على من تعقب عليه ردًا يرتضى بحكم الإنصاف ويختار، ورتبت الكلام فيه أولًا على مدلول اللفظ ومعقوله، ومسموعه ومقوله، وإن كان فعلًا أتيت بلغاته، وأنواع مصادره واسم فاعله ومفعوله، وربما أتيت بالمرادف والمشترك، وسلكت من التعليل في بعض المواضع واضح المسلك، وأخذت ذلك من كتب أئمة اللغة المشهورين بالتبريز،
1 / 3
ونفضت فيه الدواوين ما بين المستوعب منها والوجيز، ككتاب السماء والعالم لأبي عبد الله محمد بن أبان بن سيد القرطبي، وموعب اللغة لأبي غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني، وجامع اللغة لأبي عبد الله محمد بن جعفر المعروف بابن القزاز، وواعي اللغة لأبي
1 / 4
محمد عبد الحق بن عبد الله الأزدي المحدث الإشبيلي، والمخصص والمحكم والعويص وشرح الغريب المصنف لأبي الحسن علي ابن سيدة: والصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، والمبرز لأبي عبد الله محمد بن يونس الحجاري، والجمهرة لابن دريد، والمجمل لابن فارس، ومختصر العين للزبيدي، وتهذيب أبنية الأفعال لأبي القاسم علي بن جعفر السعدي المعروف بابن القطاع، والأفعال لابن القوطية، ولابن طريف، والمنظم لكراع والمجرد والمنجد له؛ والإصلاح والألفاظ
1 / 5
والفرق/، والمثنى وفعلت وأفعلت ليعقوب بن السكيت، واليواقيت وغريب أسماء الشعراء للمطرز، والفصوص لصاعد، والغريب لأبي عبيد، والزاهر لابن الأنباري، وكتاب ليس لابن خالويه، وكتاب اطرغش وكاب أبنية الأفعال أيضًا، والأفق له أيضًا، وكتاب الوحوش لهشام الكرنبائي، وكتاب صعاليك العرب لأبي الحسن الأخفش، والمصادر للفراء،
1 / 6
وكتاب فعل وأفعل لأبي عبيدة معمر بن المُثَنَّى، وكتاب الأبدال لعبد الواحد بن علي اللغوي، وكتاب المصادر والنوادر لأم البهلول الفقعسية، والفاخر لأبي طالب المفضل بن سلمة، والألفاظ لأبي نصر البصري، والمحتسب وشرح شعر المتنبي لأبي الفتح عثمان بن جني، وفصل المقال في شرح الأمثال ومعجم ما استعجم لأبي عبيد البكري، وكتاب المعاقبات لابن الأعرابي: والألفاظ له أيضًا، وشرح الأمثال لابن أغلب المرسي، وحلى العلى لعبد الدائم القيرواني، ولحن العامة للزبيدي، ولأبي حاتم السجستاني، وإصلاح المنطق لأبي علي أحمد
1 / 7
بن جعفر الدينوري، والأضداد لأبي بكر بن الأنباري، والمقصود والممدود لابن ولاّد، ولأبي عليّ القاليّ، وخلق الإنسان لثابت، ولأبي حاتم، والأصمعي: والفرق لثابت ولأبي حاتم؛ والتذكير والتأنيث، والحشرات لأبي حاتم أيضًا: والغرائز، وحيلة ومحالة، والهمز، وفعلت وأفعلت لأبي زيد الأنصاري، /وفعلت وأفعلت أيضًا لأبي إسحاق الزجاج، ولأبي علي القاليّ؛ والمثلث، وشرح الكامل، وشرح أدب الكتاب لأبي محمد بن السيد البطليوسي؛ والمثلث أيضًا لأبي عبد الله القزاز، والصواب لابن عديس، وشرح ابن عليم، والاشتقاق لابن النحاس، والبهي للفراء، وكتاب الأزمنة لقطرب وفعلت وأفعلت؛ ونوادر القالي، وأبي عبد الله بن الأعرابي، وأبي الحسن اللحياني، ويونس، وأبي زيد، وثعلب، وأبي مسحل، وأبي موسى الحامض، وأبي محمد اليزيدي، وما وقع في
1 / 8
الأَغْرِبَة، كغريبي الهَرَوِيّ والقُتَبِيّ، وغيرهما، وما سقط إلي من شروحاته، ككتاب ابن دُرُسْتَويه، وابن خالويه، والمطرز، ومكي، والتدميري، وابن هشام السبتي، وابن طلحة الأشبيلي، وغير ذلك مما يطول إيراده، ويوجد في أثناء الكتاب نقله عن قائله وإسناده.
ولما استوفى هذا الشرح شرط صحتا وكماله، وتلخص منه الفريد الذي لم يُحْذَ على مثاله، ولا نُسِجَ على منواله، رأى الوزير الأجل العماد
1 / 9
الأطول أبو بكر- أبقاه [الله] لما له من جميل الرأي، وجليل السعي- أن يكون هذا الكتاب مشرفًا برفعه إلى أسمى المَحَالّ وأعلاها، وتطريزه، باسم من تطرزت به السيادة فراقت حُلاها، وهو نجل الشرف الذي ثبت أصله في قرارة السّناء، وسما فرعه في دوحة العلياء، ونجم الفخار الذي يطأ بأخمصه قمة السماك ومنكب الجوزاء، شخص النفاسة، وشمس الرئاسة، ذو الوزارتين/ الهمام الأسعد، السيد الأوحد الأمجد، متلقي راية المفاخر بيمينه، المتألق نور الحسب الوضاح في جبينه، قطب المكارم، أبو القاسم بن ذي الوزارتين الشريفتين، والرئاستين المُنيفتين، علم الأعلام، ومُساجل الغَمّام وجمال الدول والأيام، وحامي حمى الحق والحقيقة بالعزم والحسام، وحائز الفخر الباهر الكمال والتمام، ركن الاستناد والأوي، وكهف الشرف الباذخ القُضَاعِيّ، وكعبة السماح التي إليها إعمال المطي، وحُجَّة العز الماثل والمجد العلي - أبي علي حرس الله وجودهم الذي تبأى به المحامد، وكافأ جودهم الذي يعجز عن مكافأته الشاكر والحامد، وأبقاهم للعلم يرفعون علمه ومناره، ويجمعون منتقاه ومختاره، ويُعِزُّون من اقتفى آثاره، أو كانت عنده منه أثارة، فعملت بالرأي الأرشد في رفعه إلى محلهم العالي، وشرفته بنسبته إلى سيد تزهى به المآثر والمعالي، فصار باسمهم المُرَفْع مجموعًا، ولخزانتهم الجليلة مرفوعًا، وكأن الذخر الأنفس سيق إلى مستحقه، وملكه من يعترف الفضل بأنه مالك رقه، وتشرف بذلك المؤلف والتأليف، واعتر المجموع الغريب والتصنيف، وعندما كمل المقصد، وأن إن يُتَاحَفَ به السيد الأسعد، انتقيت له اسمًا يوافق المسمى، وينطق بانتخابه للمحل الأسمى، فسميته: " تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح".
وإني لأرجو فيه أن يحل محل القبول والاستحسان، ويُرتضى منه صواب المقول في علم اللسان، إن شاء الله تعالى.
1 / 10
/ وهذا ابتداء ما جمعته، وافتتاح ما صنعته، وبالله تعالى أستعين، وبتوفيقه يتضح السبيل ويستبين، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب رحمه الله تعالى:
بَابُ "فَعَلْتُ بفتح العَين"
قال أبو جعفر: يعني بالعين: المحرف الثاني من جميع الأفعال الماضية التي فيه.
قوله: "تَقُوْلُ نَمَى المَالُ"
قال أبو جعفر: أي زاد وكثر، قاله غير واحد.
وفي نمى لغة ثانية يقال: نَمُوَ، على وزن ظرف، حكاها صاحب الواعي ومن خطه. وحكاها أيضًا أبو القاسم السعدي في أفعاله. وفي مضارع نَمَى بفتح العين لغتان: يَنْمِي على وزن يَرْمِي كما ذكره ثعلب، وَيَنْمُو على وزن يدعو، قال الشاعر في يَنْمِي:
*والشَّيءُ تَحقِره وقد ينمي*
1 / 11
وقال الشاعر في يَنْمِي أيضًا:
مَا زَالَ يَنْمِي جَدُّهُ صَاعِدًا ... مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ
وأنشد اللحياني في نوادره عن الكسائي في يَنْمُو:
يَا حُبَّ لَيْلَى لاَ تَغَيَّرْ وَازْدَدِ ... وَانْمُ كَماَ يَنْمُو الخِضاَبُ فِي الْيَدِ
وأخذ ابن هشام السبتي على ثعلب في كونه ذكر يَنْمِي فقط ولم يذكر معها يَنْمُو، قال: وهما لغتان فصيحتان، فكان حقه أن يذكرهما.
1 / 12
قال أبو جعفر: ما قاله ابن هشام من أنهما لغتان فصيحتان غلط، وإنما اللغة الفصيحة يَنْمِي فقط، وهي التي ذكرها ثعلب بدليل ما نقله الأئمة الثقات الأثبات.
قال الجوهري في كتابه الصحاح: نَمَى المال وغيره، يَنْمِي، وربما قالوا: ينمو، قال الكسائي: ولم أسمعه بالواو إلا من أخوين من بني سليم، ثم سألت عنه بني سليم فلم يعرفوه بالواو.
قال أبو جعفر: وحكي هذا أيضًا أبو عبيد في المصنف/ عن الكسائي، وصاحب الواعي أيضًا عن الكسائي.
فإذا كان الكسائي على مرتبته من حفظ كلام العرب، وإمامته، لم يسمعها إلا من رجلين من العرب فهذا أدل دليل على قلتها، فكيف تكون ك"يَنْمِي".
وقال صاحب الواعي، ومن خَطِّهِ: نَمَى الشَّيءُ يَنْمِي، وَيَنْمُو، والأفصح: يَنْمِي.
وقال أبو علي القالي في مقصوره وممدوده: يقال: نَمَى المال يَنْمِي،
1 / 13
وَيَنْمُو، والأفصح يَنْمِي.
وقال ابن دَرَستويه في تصحيحه: يَنْمُو لغة لبعض العرب وليست بخطأ، ولكن يَنْمِي أعلى وأعرف.
وقال أبو حاتم في كتابه تقويم المُفْسَد يقال: نَمَى الشيء يَنْمِي، ولا يقال: يَنْمُو. وحكي أبو حاتم أًا عن الأصمعي أنه قال: العامة يقولون: يَنْمُو بالواو، ولا أعرف ذلك بثبتٍ.
وقال الزمخشري في شرحه لهذا الكتاب: يَنْمِي بالياء، اختيار نقلة أهل اللغة كالفراء، والكسائي، وأبي عبيدة، وأبي زيد وكذا قال ابن الدهان اللغوي في شرحه لهذا الكتاب: ينمي بالياء اختيار نَقَلَة أهل اللغة.
1 / 14
قال أبو جعفر: فخرج من هذا الذي نقلناه عن الأئمة أن (يَنْمِي) أفصح من (يَنْمُو) فلذلك لم يذكرها ثعلب، وأن أخذ ابن هشام، ومن كان على مذهبه ليس بشيء.
وقوله: «وغيره ينمي»
قال أبو جعفر: معناه أن ينمي بالياء ليس محصورًا على المال فقط، حتى لا يقال يَنْمِي إلا في المال، بل يُقالُ في المال وفي كل ما تتصور الزيادة فيه، وإن كان بعض اللغويين فرق بين يَنْمِي وَيَنْمُو، فقال: يَنْمِي بالياء للمال، وَيَنْمُو بالواو لغير المال.
كما فرقوا بين يزبِد بالكسر ويزبُد بالضم، فقالوا: زَبَدَ [هـ]
1 / 15
يزُبِدُ [هـ] بكسر المستقبل: إذا أعطاه، وزَبَده/ يَزْبُدُهُ بضم المستقبل: إذا أطعمه الزُّبْدَ.
قال الفراء في كتابه البهي: رأيت نحويي أهل الحجاز يقولون للخضاب وأشباهه يَنْمُو، وللمال يَنْمِي، قال الفراء: وأنشدني بعض بني قيس:
*وَانْمِ كَمَا يَنْمِي الخِضَاُب فِي الْيَدِ*
فهذا يَنْمِي بالياء في غير المال.
وقال أبو حاتم في كتابه تقويم المُفسد: كان الأصمعي يقول لكل شيءٍ يزيد: يَنْمِي، بالياء، الخضاب يَنْمِي، والمالُ يَنْمِي.
قال أبو جعفر: وَيُقاُل نَمَى الشيء [يَنْمِي] نَمَاءً، ونَمْيًا، عن صاحب الواعي. وحكاها أيضًا ابن سيدة، والزُّبيديُّ في مختصره وزاد عليه ونُمِيًا ..
ويُقالُ نَمَا الشيء يَنْمُو نُمُوًا، ونَمَاءً عن الزُّبيديِّ، وعن صاحب
1 / 16
الواعي، وغيرهما.
ويُقال في مصدر نَمُوَ: نُمُوٌّ، عن السعدي في أفعاله، وعن غيره.
قال أبو جعفر: وحكي اللغويون اختلاف العرب في المال، فقال ابن سيدة في كتابه العويص: العرب لا توقع اسم المال مُطلقًا إلا على الإبل، وذلك لشرفها عندهم، وكثرة غنائها، قال: وربما أوقعوه على أنواع المواشي كلها من الإبل والغنم والبقر، إلا أن الأصل إنما هو الإبل.
وحكي المطرز في كتابه "اليواقيت" أن المال هو الصامت والناطق، قال: فالصامت الذهب والفضة والجوهر، والناطق الجمل والبقرة والشاة.
وحكي القالي في أماليه عن أحمد بن يحيى أنه قال: المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقص عن ذلك فلا يقع عليه مال.
ومنهم من أوقعه على جميع ما يملكه الإنسان، وهو الظاهر لقول الله ﵎: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) فلم يخص شيئًا دون شيء، حكي هذا ابن السيد وغيره، وهو اختيار كثيرٍ/ من المتأخرين.
1 / 17
قال أبو جعفر: ومقال نَمَى المال، وعَفَا، وضَفَا، وَوَفَا، وضَنَأ، وأضْنَأ، وأَضْنَى، بهمز وغير همز، وارتعج، وأَمِر، وثَرا، كل ذلك إذا كَثُرَ عن يعقوب في ألفاظه.
قال أبو جعفر: قال ابن الأعرابي في نوادره: نَمَى الشيء، وَأَنْمَاهُ الله، ونَمَّاهُ الله. قال أبو جعفر: كذا رأيته بخط الآمِدِي نَمَّاهُ بالتشديد، ورأيت بخط أبي الفضل بن الفرات نَمَاهُ بالتخفيف.
1 / 18
وقوله: «وذَوَى العود يَذْوِي»
قال أبو جعفر: أي ذبل، حكاه كراع في منظمه، وغيره.
قال ابن هشام ومن خطه: ولا يقال جف.
قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ «أي: جف».
ومعنى جف: يَبِسَ، وسيأتي تفسيره إن شاء الله تعالى.
فقال أبو العباس التُّدميري في شرحه لهذا الكتاب: ليس ذلك بشيءٍ، ولا تصح هذه الرواية عن ثعلب؛ لأن الذاوي ليس الجاف على الإطلاق، قال: وقد فسر ذلك ذو الرُّمَّةِ فقال:
وَأبْصَرْنَ أَنَّ القِنْعَ صاَرَتْ نِطَافُهُ ... فِراَشًا وَأَنَّ البَقْلَ ذَاوٍ وَيَابِسُ
قال: فانظر كيف قسم البقل هاهنا على ضربين: فجمل منه يابسًا، وذاويًا، فاليابس معروف، والذاوي الذي ذبل وقلت رطوبته.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قال الأميري وابن هشام من أنه لا يقال ذوى بمعنى يبس فاسد، بدليل ما حكاه أئمة اللغة، قال يعقوب في الإصلاح:
1 / 19
ذوى العود ذويًا، وذأى يذأى ذَأيًا: يَبِس.
وقال ابن فارس في كتابه المجمل: ذوى العود يَذوِي: إذا يَبِس. وقال أبو علي القالي في كتابه المقصور والممدود: والذوى مصدر ذوى العود يَذوِي ذَوى: يبس.
وأما البيت الذي استدل به التدميري/ فليس فيه دليل لاحتمال أن يكون من عطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان، قال عنترة ابن شداد:
*أقْوَى وأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ*
والإقواء والإقفار سواءً. وقال آخر:
1 / 20