Тухфат Асмак
تحفة الأسماع والأبصار
ولما انفصلنا من المدينة قدر عشر مراحل، انقضت مسافة أحد الثلاثة المأمورين بمصاحبتنا، وقام بنا فيها ذلك الرجل أحسن قيام، وفعل ما أمر به الملك مع زيادة عليه في الإكرام، ثم اقتضت النوبة إلى الثاني منهم، فبقى معنا تلك الليلة التي هي أول نوبته، ثم فارقنا من اليوم الثاني، وتقدم يقبض الضيافة من الناس، ويأخذها لنفسه، وتركنا وراء ظهره، ولم نجد من يقوم بتضييفنا، ولا ما نرجع إليه لنفقتنا، ومعنا نفوس كثيرة من الرقيق والخدامين، قد صار عددنا يزيد على مائة نفر فلم نجد طريقا غير الإعتماد على الله عز وجل، وعلى تناول ما يقوم بنا في النفقة في كل قرية مما نجده فيها، وكنا على ذلك كلما وصلنا قرية طلبنا أهلها، وعرفناه بمقدار ما أمر به الملك من الضيافة، فإن سلموها أخذنا منهم، واكتفينا بها عن غيرها، وإن تمردوا عنها سلطنا عليهم من كان معنا فياخذون كفايتهم، ولا يفوتهم منها شيء، وكنا قد أعددنا معنا من سلاسل الحديد التي يربط بها أهل الجرايم حتى يسلموا ما نحتاجه، وقد كان وقع في بعض الرقيق معنا ألم الجدري فاحتجنا إلى اعداد من يحملهم على سرر رفقا بهم، وحفظا لهم عن اضاعتهم في أيدي الكفار، وكنا لا نقوم من القرية التي ندخلها إلا وقد قربوا منهم تسعة أنفار لحمل هؤلاء المرضى من قرية إلى قرية لا نعذرهم عن ذلك،، ثم إنا نربط رئيس القرية بالحديد ونسيره تحت الحفظ معنا، ولا نطلقه من أيدي العسكر إلا وقد وصلنا القرية الأخرى ووصل جميع أثقالنا كاملة سالمة، وهلم جرا، ولو لم نفعل ذلك لهلكنا جوعا، ولذهبنا بأيدي الكفار:
Страница 415