وذهبت المعتزلة إلى أن الألف واللام لمجرّد الجنس، فلا تفيد عندهم
الاستغراق، والمعنى عندهم: لله حمدٌ من جنس الحمد الذي تعرفون.
ووهَّمَ الزمخشريُّ من ادّعى الاستغراق. وهو الواهم في الحقيقة.
قال بعض أشياعه: إنّما كان ادّعاء الاستغراق وَهَمًا لوجهين:
أحدهما: أنّ (الحمدُ لله) ناب منابَ أحْمَدُ الله، وأَحْمَدُ الله لا يفيد
الاستغراق، فكذلك (الحمد لله) لأن النائب لا يكون أقوى من المنوب
عنه. قلنا: لا نسلّم النيابة، وإن سلّمناها، فكم من نائب أقوى من المنوب
عنه، دليله عينُ مسألته: ألا ترى أن الزمخشري قد قَرّر أن (الحمد لله)
بالرفع أبلغ من النصب، لأن الرفع يقتضي الدوام والاستقرار والنصب
يقتضي التجدّد، فقد بان لك أن (الحمد لله) وإن كان نائبًا فهو أبلغ وأقوى
من المنوب عنه، وهو أحمدُ الله، فانظر هذا الرجل كيف انتصر
للزمخشري بشيء لا يرتضيه، " فحُبُّكَ الشيءَ يُعمي ويُصِمّ ".
الثاني من الوجهين: أنّ غيرَ اللهِ يُحمد، فمن ادّعى الاستغراق خالف
الواقع. وهذا باطل؛ لأنّ غيرَ الله لا يستحقُّ حمدًا إلا بالمجاز، والحمد
بالحقيقة إنّما هو لله تعالى؛ لأنّه خالقُ كلِّ نعمة والفاعل لها، والعبدُ
واسطةٌ، فالحمدُ في الحقيقة لله تعالى، وما ذكرَه من أن شكر المُنْعِم
واجبٌ، مُسَلَّم، لكنّ المُنْعِمَ في الحقيقة هو اللهُ تعالى.
و(الحمد) مصدر، لا يُثَنّى ولا يُجمع. وأمّا قول الشاعر:
وأبلجَ محمودِ الثنايا خَصَصْتُه. . . بأفضلِ أقوالي وأفضلِ أَحْمُدي
1 / 70