ولإمام الحرمين على نقل الأرموي (١) ما للحكماء، وله في الإرشاد، ولمع الأدلة ما للأشعري.
وكذا أهل الجبر. وهذه المذاهب جارية في أفعال الحيوانات كلها، لكن لما كان بعض الأدلة لا تجري في غير المكلف خصوا المكلف بذلك. انتهى كلامه.
وقد توسط أهل السنة بين الجبر والاعتزال تقصيا عن المطبق الأكبر، وهو أنه لا خالق إلا الله، وذلك يقتضي بظاهره الجبر، والآيات القرآنية كذلك: ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ (٢)، ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق﴾ (٣) وغير ذلك، وإن التكليف بها ليس في وسع الإنسان غير واقع؛ لقوله: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ (٤) فبذلك يقتضي الخلق للعبد.
فاحتاج أهل السنة للتقصي عن هذا المضيق بجعل الفعل تحت قدرتين على حيثيتين: فهو تحت قدرة الله من حيث الإيجاد، وتحت قدرة العبد كسبا، فلم يقع مؤثران على أثر،
_________
(١) الأرموي محمود بن أبي بكر أحمد (٥٩٤ - ٦٨٢ هـ = ١١٩٨ - ١٢٨٣ م): عالم بالأصول والمنطق، من الشافعية، كان قاضيا. أصله من أرمينية، سكن دمشق وتوفي بقونية، من تصانيفه: شرح الوجيز للغزالي في فروع الشافعية، تلخيص الأربعين في أصول الفقه ... انظر السبكي طبقات الشافعية ج ٥/ ١٥٥، رضا كحالة، معجم المؤلفين ج ١٠/ ١٥٥
(٢) الصافات الآية: ٩٦
(٣) النحل الآية: ١٧
(٤) البقرة الآية: ٢٨٦
1 / 77