الهداية ليحق القول على مقتضى العلم السابق. وقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (١)، أي لأمرهم بالعبادة، وقيل: ليخضعوا ويستسلموا، كقوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ (٢). انتهى.
وقال قبله: وكل ما ورد في القرآن من إرادة الخبر المخصوص بأفعال العباد مثل قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (٣)، ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ (٤) إلى غير ذلك، فهو محمول إما على ثناء أو مدح في الحال، وإما على ثواب ونقمة في المآل، وإلا فالإرادة الأزلية لا تتعلق إلا بما هو متجدد من حيث إنه متجدد، ولا متجدد إلا وهو فعل البارئ، وذلك لا ينسب للعبد كما بينا في خلق الأعمال، واختص الأمر بأفعال العباد على الحقيقة دون الوجوب التي تنسب للحق فلم يجب تلازم الأمر والإرادة.
وقد يرد الأمر بمعنى الإرادة بمعنى الأمر فيكون الإطلاق باشتراك في اللفظ، وكان المشركون تمسكوا بمثل هذا الاشتراك حيث أخبر التنزيل عنهم بقوله: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ (٥) أراد بذلك
_________
(١) الذاريات: ٥٦.
(٢) آل عمران: ٨٣. وبقية الآية: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).
(٣) البقرة: ١٨٥. وبقية الآية: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(٤) المائدة: ٦. وبقية الآية: (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(٥) الأنعام: ١٤٨. وبقية الآية: (وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ).
1 / 22