نذكر ما يتعلق بالمجاز على الخصوص. ثم نردفه بما يكون متعلقا بهما جميعا، فهذه أقسام ثلاثة، نفصلها بمشيئة الله تعالى.
القسم الأول ما يتعلق بالحقيقة على الخصوص
اعلم أن الحقيقة فعيلة واشتقاقها من الحقّ فى اللغة، وهو الثابت. وهو يذكر فى مقابلة الباطل فإذا كان الباطل هو المعدوم الذى لا ثبوت له، فالحقّ هو المستقرّ الثابت الذى لا زوال له، فلما كانت موضوعة على استعمالها فى الأصل قيل لها: حقيقة أى ثابتة على أصلها لا تزايله ولا تفارقه «ووزنها فعيلة» كعفيفة وشريفة، وقد تكون بمعنى الفاعل أى حاقّة. ثابتة، وقد تكون بمعنى المفعول أى محقوقة مثبتة. وهل يكون لفظ الحقيقة على ما يطلق عليه من باب الحقيقة، أو من باب المجاز؟ والحقّ أنه من باب المجاز لأنّا قد قرّرنا أنها مقولة فى الأصل على الشىء الثابت غير المنفىّ المعدوم، ثم إنها نقلت إلى استعمال اللفظ فى موضوعه الأصلى، فقد أفادت معنى غير ما وضعت له فى الأصل، فلهذا كان إفادتها له على جهة المجاز لما ذكرناه. فإذا عرفت هذا فاعلم أن مقصودنا من هذا القسم تهذيبه بأن ترسم فيه مسائل.
المسئلة الأولى فى بيان حد [الحقيقة] ومفهومها
اعلم أن كثيرا من علماء البيان وجمعا من حذّاق الأصوليين قد أكثروا الخوض فى تعريف ماهية الحقيقة، وأتوا بأمور غير مرضيّة، فى بيان حقيقتها فأجمع تعريف ما ذكره أبو الحسين البصرىّ، فإنه قال: ما أفاد معنى مصطلحا عليه فى الوضع الذى وقع فيه التخاطب.
ولنفسّر هذه القيود فقوله «ما أفاد معنى» عامّ فى المعانى العقليّة والوضعية. وقوله مصطلحا عليه، يخرج عنه المعانى العقلية، كالدلالة على كون المتكلم بالحقيقة قادرا وعالما، إلى غير ذلك من المعانى العقلية. وقوله «فى الذى وقع فيه التخاطب» يدخل فيه جميع الحقائق كلها من اللغوية، والعرفية، والشرعية، والاصطلاحية كما سنورد أمثلته. ولو قيل: هو اللفظ الدالّ على معنى بالوضع الذى وقع فيه ذلك الخطاب لكان جيدا، فقولنا:
«هو اللفظ الدالّ على معنى» يدخل فيه المعانى العقلية، والمعانى اللغوية والمجازية وقولنا «بالوضع» يخرج منه العقلية وقولنا: «الذى وقع فيه ذلك الخطاب» يدخل فيه جميع الحقائق
1 / 28