لكن الأم والابنة ظلتا على اتصال بالتليفون، وكثيرا ما كانت الأخيرة تضع سماعته بجوار فم الطفل لتسمع الجدة صراخه أو غمغمته، وإن كان في معظم الحالات لا يصدر صوتا على الإطلاق.
انتهى الأب من طبقه، فملأت له الأم طبقا آخر أقبل عليه بنفس الشهية. وانتهزت الأم لحظة تستريح فيها من الأكل لتسأله: «أعجبك الأكل يا بابا؟»
فمنذ زواجهما قبل أكثر من أربعين عاما وهما يخاطبان بعضهما ب «بابا» و«ماما».
قال الأب خلال فمه الممتلئ: «تسلم يدك.» وتساقطت بعض حبات من الأرز على صدر بيجامته.
تحولت الأم إلى سيد الذي كان يأكل بشهية لا تقل عن شهية أبيه: «ألم تعرف بعد متى سيجري التحقيق معك؟»
أحاب: «لا.» عادت تقول: «أما كان بوسع رئيس القسم أن ينهي الأمر بنفسه دون حاجة إلى تحقيق أو خلافه؟»
هز سيد كتفه ولم يجب.
وتساءل الأب وهو يضع ملعقة كبيرة من خليط الأرز والبطاطس والسلاطة في فمه: «أكان من الضروري أن تغير الكون؟»
وهو تعليق كان مفاجأة لسيد؛ لأنه كان بادرة بحدوث تغيير في موقف أبيه؛ فحتى الآن كان يعتقد أن الأب والأم في صفه كدأبهما دائما. ألم يكونا هما الوحيدان بين الناس اللذان يرمقانه بنظرات الإعجاب عندما يعلن عليهما - مثلا - ما يكتشفه من أخطاء لغوية ونحوية في الصحف بينما لا يواجه في المؤسسة عند ذلك بغير نظرات الملل والسخرية وخصوصا من سليمان؟
فضلا عن أنه لم يرغب في تغيير الكون أو أي شيء. كل ما في الأمر أنه أراد أن يعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي.
Неизвестная страница