فقال العربي: «هذا سؤال صبياني. إن جزيئات هذا الحجر لن تعادل عشر معشار الجوهر سليما».
فأجاب الفارس المسيحي: «كذلك، أيها العربي، الحب الذي يحمله الفارس الحق لامرأة واحدة جميلة مخلصة، هو كهذه اللؤلؤة سليمة، أما الحب الذي توزعه بين أزواجك اللائي تستعبدهن، وإمائك اللائي تنظر إليهن كأنصاف أزواج، فما هو إلا بمثابة تلك الشظايا المتفرقة من هذا الجوهر الحر.»
فقال الأمير: «ورب الكعبة المقدسة إنك لمجنون، لا تفرق بين الذهب والحديد، أمعن في النظر تجد أن هذه الجوهرة الكبرى وسط تلك اللآلئ الزرية هي التي تكسب الخاتم جلاله وتعطيه قيمته، ولولاها لما كان له نصف جماله؛ هذا الجوهر الأوسط هو الرجل في عزمه وكماله، لا يستمد قيمته إلا من نفسه، وأما هذه الحلقة من الجواهر الدنيا فهي النساء تستمد بريقها من بريقه، يرسله عليهن كما يشاء ويهوى؛ انزع الحجر الأوسط من الخاتم يبق له قدره ويهبط ما دونه من اللآلئ في قيمته؛ وإنما هكذا يجب أن تفهم التشبيه الذي أتيت به. ولقد قال المنصور الشاعر ما معناه: «إنما جمال المرأة ورقتها من فضل الرجل، فلولا ضياء الشمس ما تألق في البحار ماء.»
فأجاب الصليبي قائلا: «أيها العربي، إنك إنما تتكلم كرجل لم يقع بصره يوما على امرأة جديرة بحب أبناء الحروب، صدقني أنك لو شهدت بنات أوروبا - اللائي لهن علينا بعد الله حق الإخلاص والولاء - لما بقي في قلبك ذرة من حب لهاتيك الشهويات المسكينات اللائي يتألف منهن «حريمك». إن جمال نسائنا يدبب حرابنا ويحد سيوفنا؛ كلمتهن لنا شريعة؛ وكما أن المصباح لا ينير إذا انطفأ لهيبه، فكذلك الفارس إذا برز في القتال ولم تكن له فتاة يوليها حبه.»
قال الأمير: «لقد نما إلي هذا الخبل الذي يعتور فرسان الغرب، وكنت دائما أعده عرضا من أعراض ذلك الجنون الذي يدفعكم إلى هذه البلاد كي تستولوا على قبر أجوف، ولكني - مع ذلك - مع فرط ما سمعت من الفرنجة الذين التقيت بهم من الثناء يكيلونه كيلا على نسائهم، أود لو رأيت بعيني رأسي أولئك الساحرات الفاتنات اللائي يجعلن من هؤلاء المحاربين أدوات لما يردن، كي تطمئن نفسي ويرضى فؤادي.»
فأجاب الفارس: «أيها العربي الجسور، والله لولا أني أقصد الحج إلى القبر المقدس لكان فخرا لي أن أقودك آمنا إلى مخيم رتشارد ملك إنجلترا، الذي يعرف أكثر من كل من عداه كيف يعامل بالحسنى عدوا كريما؛ وإنك قد تراني مسكينا لا تكلؤني عين برعاية، ولكني مع ذلك قمين بأن أكفل لك، ولأمثالك، كل أمن وتقدير وإجلال. هنالك ترى كثيرا من آيات الجمال الفرنسي والإنجليزي مجتمعات في حلقة صغيرة، يشع منها نور يفوق في بريقه ولمعانه المناجم المترعة بمثل تلك اللآلئ التي تملك عشرة آلاف مرة.»
فقال العربي: «وركن الكعبة، لو أنك بقيت على عهدك لألبين دعوتك طائعا، كما وهبتنيها طائعا، وصدقني، أيها النصراني الجسور، لقد كان خيرا لك أن تيمم جوادك شطر مخيم قومك، فإن مسيرك إلى بيت المقدس بغير جواز إن هو إلا تعريض بحياتك لا مبرر له.»
فأخرج الفارس ورقة ثم قال: «ها هو ذا جوازي عليه توقيع من صلاح الدين بيده وخاتمه.»
فعرف العربي خاتم سلطان مصر وسوريا وخط يده، ذلك الحاكم الذي طبق صيته الآفاق، فانحنى برأسه نحو الأرض، ثم لثم الورقة بكل تبجيل، ومس بها جبينه، ثم ردها إلى المسيحي قائلا: «أيها الفرنجي، لقد اندفعت في تصرفك وأسأت إلى دمي ودمك، إذ لم تطلعني على هذه الورقة حينما التقينا.»
فقال الفارس: «لقد آتيتني رافعا سنانك، ولو أن ثلة من جنود الأعراب هاجمتني لكان من شرف النفس أن أظهر جواز السلطان، أما وأنت رجل واحد فقد أبت كرامتي ذلك.»
Неизвестная страница