فصاح أحدهم: «الكأس، الكأس! ما أشبه الرجل التركي بالجواد التركي، ولسوف نعامله معاملة الخيول.»
وقال «لنج ألن»: «أقسم بالقديس جورج إنكم لتخنقنه! وإنه لإثم أن ترموا وغدا وثنيا بمقدار من النبيذ يغني رجلا مسيحيا عن ثلاثة أضعاف ما يحرز من سكرة النوم.»
فرد عليه «هنري ودستول» وقال: «إنك لا تعرف طباع هؤلاء الأتراك الملحدين يا «لنج ألن»؛ اعلم أيها الرجل أن قدحا من نبيذ قبرص تلعب برأسه وتديره في اتجاه غير الاتجاه الذي تدحرج إليه وهو يرقص، فيثوب إلى رشده، ويعود كما بدأ. الخمر تخنقه؟ إنها لا تخنقه إلا كما يخنق رطل من الزبد كلب «بن» الأسود».
فقال «تمالين بلاكليز»: «وهل تضنون على هذا الشيطان المسلم المسكين بقطرة من شراب في هذه الدار، وأنتم تعلمون أنه لن ينال قطرة يرطب بها طرف لسانه في دار البقاء؟»
فأجاب «لنج ألن» يقول: «تالله إن هذه لشريعة صارمة، أفكل هذا لأنه تركي كما كان أبوه من قبله؛ إني أؤكد لكم أن أشد الأرجاء حرارة لتكونن عليه بردا وسلاما لو أنه كان مسيحيا مرتدا.»
فقال «هنري ودستول»: «الزم الصمت يا «لنج ألن»، وصدقني أن لسانك ليس بأقصر جوارحك، وإني أتنبأ لك أنه ليسوقنك إلى الخزي من أبينا «فرنسيس» كما حدث مرة للمرأة السورية الحوراء، ولكن دعنا من هذا فها هي ذي الكأس قادمة. انشط قليلا أيها الرجل، وافتح فمه عنوة بنصاب خنجرك.»
فقال «تومالين»: «ارجعوا عن هذا. إنه طيع غير عصي، انظروا تجدوه يشير إلى القدح. أفسحوا له أيها الرجال. أي والله، إنهم قوم إن شرعوا يشربون ما تركوا الخمر حتى ثملوا؛ إن هذا التركي لا يسعل في الكأس، ولا يتريث في الشراب.»
وحقا لقد شرب ذلك «الدرويش» - أو سمه ما شئت - القدح الكبير حتى ثمالته في جرعة واحدة، أو تظاهر بذلك على الأقل. ولما رفع الكأس عن شفتيه، بعدما غاض كل ما به، تنهد تنهدا عميقا وتمتم قائلا: «الله كريم.» فسرى الضحك بين العامة الذين شهدوا الرجل وهو يجترع الكأس في شربه، وكانت ضحكاتهم عجاجة صخابة حتى هب الملك من نومه مضطربا، ورفع إصبعه وقال غاضبا: «ما هذا أيها اللئام، أما لديكم لغيركم احترام، وهل لا ترعون لنا حرمة؟»
فسكت الجميع ولزموا الصمت؛ إذ كانوا يعرفون مزاج رتشارد، الذي كان يسمح بالكثير من الألفة الحربية أحيانا، وأحيانا أخرى يتطلب أجل الاحترام، وقلما كان هذا المزاج الأخير يملك عليه نفسه. وبعدئذ سارع الرجال إلى مكان قصي عن شخص الملك حتى يبقى له جلاله، وحاولوا أن يجذبوا معهم الشيخ الولي، الذي بدا عليه الإنهاك من المشقة السابقة، أو غلبته الجرعة القوية التي غبها غبا منذ حين، فقاوم إبعاده عن هذا المكان تارة بالنضال وطورا بالأنين.
فهمس «لنج ألن» لزملائه قائلا: «خلوا سبيله أيها الغافلون؛ ناشدتكم القديس «كرستوفر» لتخلفن الرجل وإلا طاح منه خنجره، وشق رءوسنا عاجلا، خلوا سبيله، فإنه سوف ينام كالسنجاب بعد دقيقة.»
Неизвестная страница