فردت أديث قائلة: «إني لا أبالي، إن العذراء البتول لا تخشى الليث الثائر، لينفذ في هذا الفارس الكريم إرادته، فإن أديث التي يموت من أجلها تعرف كيف تندب ذكراه، ولن يكلمني أحد بعد هذا عن حلف سياسي ويطلب إلي عقده بهذه اليد الضعيفة. ما كان لي - وكيف يكون لي؟ - أن أكون له عروسا في الحياة. إن بيني وبينه في المرتبة فراسخ، ولكن الموت يزاوج بين الرفيع والوضيع. إني منذ الآن قرينة قبره.»
وأوشك الملك أن يجيبها غاضبا، لولا أن راهبا من كرمل دخل الغرفة مسرعا ورأسه مكمم، وجسمه مستتر في عباءة طويلة وقلنسوة من القماش المخطط من النسيج الخشن الذي يميز مذهبه الديني، وخر على ركبتيه أمام الملك، وناشده بكل كلمة وشارة مقدسة أن يوقف إنفاذ الحكم.
فقال رتشارد: «أقسم بمهندي وصولجاني لقد تآمرت الدنيا على جنوني! فكل غافل وكل امرأة وكل راهب يعترضني في كل خطوة أخطو؛ كيف يعيش هذا الرجل حتى الآن؟»
قال الراهب: «مولاي الكريم، لقد توسلت إلى لورد جلزلاند أن يوقف الإعدام حتى أرتمي لدى جلالتكم ...»
فقال الملك: «وهل بلغت به صلابة الرأي أن يمنحك مطلبك؟ ولكن ما هذا إلا جانب من عناده المألوف. والآن ما تريد أن تقول؟ هيا وقل لي باسم الشيطان!» «مولاي، إن لدي لسرا عميقا - ولكني أخفيه بحق الاعتراف - وإني لا أجرؤ على التحدث به أو حتى على الإيماء إليه، ولكني أقسم لك بحياتي المقدسة، بهذا الرداء الذي أرتدي، «بإلياس» المبارك الذي وضع لنا الأساس، وهو ذلك الرجل الذي انتقل إلى جوار ربه دون أن يعاني ما يعاني الناس من آلام الموت. أقسم لك أن هذا الشاب قد فشا لي سرا، إن بحت به إليك عدلت عدولا تاما عن هذه الغاية القاضية التي فرضت عليه.»
فقال رتشارد: «أبي الكريم، إن هذا السلاح الذي أمتشق الآن من أجل الكنيسة ليشهد بإجلالي لها؛ بح لي بهذا السر، ولسوف أفعل ما أراه لائقا في هذا الشأن، ولكني لست رجلا أعمى البصيرة أعمل بغير روية إن أهاب بي رجل من رجال الدين، لست «كبيارد» العاجز أقفز في الظلام إذا استحثني قس أو قسان.»
فطرح القس عنه قلنسوته وحلته الخارجية، وكشف تحت الحلة عن كساء من جلد الماعز، وتحت القلنسوة عن وجه استوحش ونحل من أثر الجو والصيام والتوبة، حتى بات أشبه بصورة من هيكل عظمي تسري فيه الروح منه بوجه الإنسان، ثم قال: «مولاي، لقد تقشفت عشرين عاما في كهوف عين جدة حتى أضعفت هذا الجسد الذميم تكفيرا عن ذنب عظيم ارتكبت، فهل تظن أني - وأنا ميت في هذه الدنيا - أدبر زورا أو بهتانا أعرض بهما روحي للخطر، أو هل تظن أن رجلا أقسم يمينا غليظة على أن يجانب الإثم، رجلا مثلي ليس له في هذه الدنيا أمل واحد يعقد به رجاءه - وذلك أن نعيد للكنيسة المسيحية بناءها - هل تظن أن رجلا مثلي يفشي سر الاعتراف. إن كليهما بغيض لنفسي.»
فأجابه الملك «إذن فأنت ذلك الناسك الذي يتحدث عنه الناس كثيرا، إني أقر بأنك شديد الشبه بتلك الأرواح التي تسري في الأرض الخلاء، ولكن رتشارد لا يخشى ماردا ولا عفريتا. وما إخالك إلا ذلك الرجل الذي بعث أمراء المسيحية إليه بهذا الجارم كي تفاوض السلطان في وقت أنا فيه طريح فراش المرض، وأنا أول من تنبغي مشورته في هذا الأمر؛ فلتطمئن وليطمئنوا، إني لن أضع رقبتي في سم نطاق رجل من كرمل. أما رسولك فسوف يموت، وهو بالموت العاجل أحق وأجدر بعد شفاعتك له وتضرعك.»
فقال الناسك وقد ملكت عاطفته نفسه: «بارك الله فيك يا مولاي الملك! إنك والله لتخلق شرا، سوف تود في مقتبل الأيام لو أنك أقلعت عنه، حتى ولو كلفك هذا شلوا من أشلائك. ليكن رجلا مندفعا أو أعمى، ولكني أضرع إليك أن ترفق به.»
فصاح به الملك، وقد ضرب الأرض بقدميه: «عني، عني! لقد أشرقت الشمس على عار إنجلترا ولما ننتقم له. أيتها السيدات وأيها القس، اغربوا إن أردتم ألا تسمعوا أمرا يسيء إليكم، لأني بحق القديس جورج أقسم ...»
Неизвестная страница