فأجاب السير كنث قائلا: «كلا، لن يراني بعد اليوم أحد، إن حراستي لم تكن يا مولاي يقظة ولا آمنة ولا شريفة، ولقد امتدت إلى راية إنجلترا يد واختطفتها.»
فأجاب رتشارد وفي صوته نبرة الازدراء والتكذيب وقال: «وما برحت على قيد الحياة تذكر ذلك؟ عني! إن هذا لن يكون. إني لا أرى أثرا لخدش على محياك. خبرني لماذا أنت ماثل كذلك صامتا؟ اصدقني واعلم أن المزاح مع الملوك خطير، ومع ذلك فلأعفون عنك إن كان كذبا ما تقول.»
فرد عليه الفارس البائس وقال: «لم يكن كذبا ما خبرتك يا مولاي المليك!» وفي صوته نغم التأكيد الجاف، وفي عينيه سهام من النار براقة نافذة متألقة، كأنها وميض الصوان المتحجر البارد، ثم قال: «ولكن ينبغي أن أصمد هنا كذلك. هذا هو الحق خبرتك به يا مولاي.»
فانفجر الملك في عاصفة من الغضب، ما لبثت أن خمدت وسكن ثائرها، وقال: «يالله! ويا لسنت جورج! دي فو، اذهب إلى المكان وألق عليه بنظرة؛ لقد عكرت هذه الحمى صفو ذهنه. إن هذا لن يكون حسب شجاعة الرجل مناعة! إن هذا لن يكون! اذهب عني سريعا أو أرسل من لدنك رسولا إن كنت لا تريد الانصراف.»
وهنا استوقف الملك السير هنري نفيل، وقد أقبل متقطع الأنفاس يقول إن الراية قد اقتلعت، وإن الفارس الذي كان يقوم على حراستها قد غلب على أمره، وغالب الظن أنه قتل، لأنه رأى بركة من الدماء إلى جوار رمح العلم المحطم.
وما إن وقعت عينا نفيل بغتة على السير كنث حتى تساءل «من ذا أرى هنا؟»
فهب الملك على قدميه، وأمسك بالفأس القصيرة التي كانت أبدا لا تبرح جوار فراشه، وقال: «خائنا، خائنا! ولسوف تراه يموت ميتة الخونة.» ثم جذب سلاحه إليه كأنه يريد أن يضرب به.
ووقف الاسكتلندي أمامه ممتقع اللون، ولكنه رابط الجأش، كأنه تمثال من المرمر، ورأسه عار لا يقيه لباس، وعيناه مطرقتان نحو الأرض، وشفتاه لا تكادان تنبسان، والراجح أنه كان يتمتم بالدعوات، ووقف الملك رتشارد قبالته على قيد رمح، وقد ادثر جسمه الضخم بين طيات ثوب من الكتان فضفاض، وتستر جميعه، إلا حيث أزال انفعاله الشديد الدثار من فوق ساعده الأيمن وكتفه وجانبا من صدره، وبدا للعيان كأنه مثال من صورة إنسانية جديرة بالصفة التي كان يتصف بها سلفه السكسوني وهي «جانب الحديد». ولبث هنيهة متأهبا للضراب، ثم أمال رأس السلاح صوب الأرض، وصاح متعجبا وقال: «أفكانت هناك دماء يا نفيل؟ هل كان لدى المكان دم؟ استمع إلي يا سير كنث، لقد كنت باسلا في يوم من الأيام، ولقد شهدتك وأنت تقاتل، فهلا قلت لي إنك جندلت لصين دفاعا عن العلم، بل جندلت واحدا، بل قل لي إنك ضربت ضربة قوية في سبيلي، ثم انصرف عن المعسكر بحياتك وخزيك!»
فأجابه كنث رابط الجأش وقال: «مولاي الملك؛ لقد دعوتني كاذبا، ولقد أسأت إلي في هذا على الأقل. اعلم أنه لم ترق في سبيل الذود عن العلم دماء، اللهم إلا دم الكلب المسكين، حين تصدى للدفاع عن الواجب الذي هجره صاحبه، والكلب أشد إخلاصا منه.»
فقال رتشارد: «بحق القديس جورج.» وهم بساعده ثانية، ولكن دي فو رمى بنفسه بين الملك ومحط نقمته، وشرع يدلي بذلك الصدق الصراح الذي يتخلق به، قال: «مولاي، لن يكون هذا، لن يقع هذا الأمر هنا، ولن تتلوث به يداك؛ وكفى حمقا بين عشية وضحاها، أن تكل أمر العلم إلى رجل اسكتلندي. ألم أقل لك إنهم أبدا على ظاهر من الحق وباطن من الباطل؟»
Неизвестная страница