دهرًا طويلًا وهو يدعو إلى الله، فلما مات شداد صار إليه الأمر فكان الناس يأتونه من أقاصي الأرض وأدانيها.
قال وهب: وإن عاد الأصغر بن قحطان كانوا أهل غدر ومكر وختر لا يأمن فيهم ابن السبيل ولا يطمئن فيهم جار ولا ينزل فيهم غريب ولا يثق بهم معاهد، وكان فيهم قبيل يقال لهم: بنو كركر بن عاد بن قحطان فعاشوا بأقصى اليمن فحاربهم جميع قبائل عاد وأعانهم عليهم وناصرهم بنو غنم بن قحطان وبنو غانم بن قحطان وبنو ظالم بن قحطان فغلبوا بني كركر. فإنما رأى بنو كركر بن عاد ما صاروا إليه من الذل بعد العز ومن الضر والجهد بعد النعمة شكوا ضر ما نزل بهم إلى سيدهم وصاحب أمرهم السميدع بن زهير فقال لهم: يا بني كركر كنتم أهل غدر ومكر لا يثق بكم قريب ولا بعيد ولا يأمنكم بغيض ولا حبيب أقرضتم الدهر قرضًا فرده إليكم فلم ترضوه. قالوا له: قد علمنا أنا فتحنا على أنفسنا بابا الموت فدلنا على باب الحياة؟ قال لهم: أما ها هنا فلا ولكن سيروا بنا إلى هذا الملك الحميري لقمان بن عاد فإن عنده رشدًا وسدادًا وصلاحًا للعباد يدعو إلى الله وإلى أبواب البر ومن دعا إلى الله أمن من الأذية واطمأن من لجأ إليه وطاب له وجه أمره ورضي عاقبته. قالوا له: لك الأمر فخذ بنا حيث شئت، قال لهم: يا بني كركر قدمتوني إلى أمر جليل وإن الله لا يرضى من أفعالكم شيئًا وأنه رأى ما فعلتموه منكرًا فغيره، وأنشأ يقول:
من أضمر المكر وأبدى الغدرا ... يلقي مدى الأيام ضرًا مر
لم يدر ما سر وما قد ضرا ... يعذل فيما قد لقيه الدهرا
ورحل بهم إلى لقمان بن عاد وقال:
سيروا بني كركر في البلاد ... أني أرى الدهر إلى فساد
1 / 80