هاربًا. فقال الهميسع: نمضي في هذا الكهف أم لا؟ فقال له: نعم. فسارا في الكهف حينًا، فإذا حيات يصفرن عن يمين وشمال ورياح تجري عليهما من داخل الكهف، وسمعا دويًا من داخل الكهف، فقال العبسي: لقد حملت نفسك على مكروه يا هميسع أعلى يقين أنت من هذا الكهف؟ فقال له الهميسع: ما تيقنت إلا ما رأته عيني، والرجاء فقال له: افعلي شك أنت هارش الثعابين وأبيع مهجتي ببخس يا هميسع لقد بعت نفسك من دهرك أبخس ثمن وهميسع في ذلك لا يلوي إلى كلامه وهو يسير داخل الكهف حتى وقف به على بابا آخر أعظم من الباب الأول وأهول وأشد وحشة وزاد عليهم الدوى والحسيس والهينمة وعلى ذلك الباب بالخط الحميري. فقال له
العبسي: اقرأ يا ميسع! فقرأه فإذا هو:
انظر لرحلك لا يساق فإنه ... حتم الحمام إلى العرين يساق
يا ساكني جبلي شمام لعله ... يوفي بما أجنبتما الميثاق
قوموا إلى الإنسي أن محله ... يدعو إلى يوم الفراق فراق
قال: فولى العبسي هاربًا عنه وناداه الهميسع فلم يلتفت إليه، وولى وهو يوقل: قاتل الله أخا عاد ما أجسره! قال: فهم الهميسع أن يفر ثم حمل نفسه على الأصعب ومضى حتى بلغ إلى باب هو أعظم هولًا وأشد وحشة وعليه نقش بالقلم الحميري فقرأه الهميسع فإذا فيه مكتوب:
قد كان فيما قد مضى واعظ ... لنفسك البينة المسمعه
إن جهل الجاهل ما قد آتى ... وكان حينًا قلبه في دعه
فدخل الباب الثالث فسمع دويًا عظيمًا كالرعد وهده عظيمًا، فبينما
1 / 76