قَالَ: «إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ» «١» . وَرَاوِي هَذَا قَدْ شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ جَزَمَ بِهِ لَكَانَ أَمْرًا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، إذْ هُوَ مُتَيَسِّرٌ عِنْدَهُمْ، وَلِغَيْرِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَاءِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ، هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ، أَوِ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ، وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي حَمَلَ مَنْ قَالَ:
الْمُرَادُ الصَّدَقَةُ بِهِ أَنَّهُ أَشْكَلَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْحُمَّى، وَلَمْ يَفْهَمْ وَجْهَهُ مَعَ أَنَّ لِقَوْلِهِ وَجْهًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَكَمَا أَخْمَدَ لَهِيبَ الْعَطَشِ عَنِ الظَّمْآنِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، أَخْمَدَ اللَّهُ لَهِيبَ الْحُمَّى عَنْهُ جَزَاءً وِفَاقًا، وَلَكِنَّ هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ فِقْهِ الْحَدِيثِ وَإِشَارَتِهِ، وَأَمَّا الْمُرَادُ بِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ أبو نعيم وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أنس يَرْفَعُهُ: «إِذَا حُمَّ أَحَدُكُمْ، فَلْيَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنَ السَّحَرِ «٢» .
وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ كِيرِ جَهَنَّمَ، فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ» «٣» .
وَفِي «الْمُسْنَدِ» وَغَيْرِهِ، مِنْ حَدِيثِ الحسن، عَنْ سمرة يَرْفَعُهُ: «الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ»، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَفْرَغَهَا عَلَى رَأْسِهِ فَاغْتَسَلَ «٤» .
_________
(١) أخرجه البخاري في بدء الخلق، والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد: ومعنى الحديث: أن الحمى من شدة حر الطبيعة وهو يشبه نار جهنم في كونها معذبة ومذيبة للجسد، والمراد أنها أنموذج ودقيقة اشتقت من جهنم يستدل بها العباد ويعتبرون بها، كما أظهر الفرح واللذة ليدل على نعيم الجة. «فأبردوها بالماء» أي أسكنوا حرارتها بالماء، بأن تغسلوا أطراف المحموم منه، وتسقوه إياه ليقع به التبرد.
(٢) أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات
(٣) خرجه ابن ماجه، ورجاله ثقات
(٤) رواه الطبراني في الكبير والحاكم في الطب، وكذا البرار عن سمرة بن جندب. قال الحاكم: صحيح، وأقره عليه الذهبي. لكن قال ابن حجر في فتح الباري بعد ما عزاه للبزار والحاكم وأنه صححه في سنده راو ضعيف، وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه اسماعيل بن مسلم، وهو متروك. و«إذا حمّ أحدكم» أي أخذته الحمى التي هي حرارة بين الجلد واللحم.
1 / 24