168

Тибб Набави

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Издатель

دار الهلال

Номер издания

-

Место издания

بيروت

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ ماء بات في سنّة وَإِلَّا كَرَعْنَا»، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَرْعِ، وَهُوَ الشُّرْبُ بِالْفَمِ مِنَ الْحَوْضِ وَالْمِقْرَاةِ وَنَحْوِهَا، وَهَذِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- وَاقِعَةُ عَيْنٍ دَعَتِ الْحَاجَةُ فِيهَا إِلَى الْكَرْعِ بِالْفَمِ، أَوْ قَالَهُ مُبَيِّنًا لجوازه، فإن من الناس من يكرهه، الأطباء تَكَادُ تُحَرِّمُهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَعِدَةِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا أَدْرِي مَا حَالُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا، وَهُوَ الْكَرْعُ، وَنَهَانَا أَنْ نَغْتَرِفَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ: «لَا يَلَغْ أَحَدُكُمْ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ، وَلَا يَشْرَبْ بِاللَّيْلِ مِنْ إِنَاءٍ حَتَّى يَخْتَبِرَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَمَّرًا» «١» . وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، وَإِنْ صَحَّ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، إِذْ لَعَلَّ الشُّرْبَ بِالْيَدِ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ حِينَئِذٍ، فَقَالَ: وَإِلَّا كَرَعْنَا، وَالشُّرْبُ بِالْفَمِ إِنَّمَا يَضُرُّ إِذَا انْكَبَّ الشَّارِبُ عَلَى وَجْهِهِ وَبَطْنِهِ، كَالَّذِي يَشْرَبُ مِنَ النَّهْرِ وَالْغَدِيرِ، فَأَمَّا إِذَا شَرِبَ مُنْتَصِبًا بِفَمِهِ مِنْ حَوْضٍ مُرْتَفِعٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ بِيَدِهِ أَوْ بفمه. فَصْلٌ وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ الشُّرْبُ قَاعِدًا، هَذَا كَانَ هَدْيَهُ الْمُعْتَادَ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ الَّذِي شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا. قَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا نَاسِخٌ لِلنَّهْيِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ مُبَيِّنٌ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، بَلْ لِلْإِرْشَادِ وَتَرْكِ الْأَوْلَى، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا شَرِبَ قَائِمًا لِلْحَاجَةِ، فَإِنَّهُ جَاءَ إِلَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهَا، فَاسْتَقَى فَنَاوَلُوهُ الدَّلْوَ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَهَذَا كَانَ مَوْضِعَ حَاجَةٍ. وَلِلشُّرْبِ قَائِمًا آفَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ به الرّي التام، ولا يستقرّ في

(١) أخرجه ابن ماجه في الأشربة.

1 / 170