Татары от начала до Айн-Джалут
التتار من البداية إلى عين جالوت
Жанры
تولي منكو خان قيادة التتار
وخلال هذه الأحداث لم يكن الوضع في منغوليا مستقرًا، فالتتار لم يستطيعوا قبول امرأة كيوك ملكة عليهم، ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتار، واختار في سنة ٦٤٩هـ منكو خان خاقانًا جديدًا للتتار، وقد أدى هذا الاختيار إلى تحول كبير جدًا في سياسة التتار وتغيير جذري في المناطق المحيطة بالتتار، فقد كان لـ منكو خان سياسة توسعية شديدة الشبه بسياسة جنكيز خان المؤسس الأول لدولة التتار، وبسياسة أوكيتاي الذي فتحت أوروبا في عهده.
ولذلك فأول ما فكر فيه منكو خان بعدما استلم الحكم هو إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام ومصر وإفريقيا، وكانت أحلامه التوسعية تشمل كل مكان على الأرض.
وللأسف الشديد فإن أمراء المسلمين وشعوبهم في ذلك الوقت لم تكن أبدًا على مستوى الحدث الكبير، حدث تولية منكو خان وبداية الأحلام التوسعية في الأراضي المسلمة، فالناس مكثوا عشر سنين بدون قتال من سنة ٦٣٩ إلى سنة ٦٤٩، توقفت فيها الفتوحات التترية، وهي فترة حكم كيوك ثم أوغول قيميش، والغريب جدًا في هذه الفترة أن الحكام والشعوب بل والعلماء كانوا قد نسوا تمامًا أن النصف الشرقي من الأمة الإسلامية واقع تحت الاحتلال التتري، وأنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الخلافة العباسية والشام ومصر والحجاز، حتى إن المؤرخين الذين أرخوا لهذه الفترة لم يذكروا البتة شيئًا عن التتار.
فعلى سبيل المثال لو فتحنا البداية والنهاية لـ ابن كثير -وهو لم يعش في تلك الفترة وإنما نقل عن المؤرخين الذين عاصروها وكتبوا عنها- من سنة ٦٣٩هـ إلى سنة ٦٤٩هـ لن تجد ولا كلمة على التتار، وكأن القضية التترية قد حلت تمامًا.
وسنجد ابن كثير ﵀ يصف لنا في هذه الفترة حياة طبيعية جدًا في العراق والشام ومصر، وأمورًا في منتهى البساطة، فالخليفة يعالج بعض المشاكل الاقتصادية ويتصدق على بعض الفقراء، فقد يحدث وباء فيعالج، أو غلاء يشق على الناس فيأتي الخليفة يتصدق ببعض الأموال لمقاومة الغلاء، وأحدهم يفتح مدرسة، وآخر يفتح دارًا للضيافة، وثالث دارًا للطب، ويذكر من أحوال هذه السنوات أنه مات فلان من الأدباء، وفلان من الشعراء، وفلان من الوزراء، وأما العلماء الذين يخطبون على المنابر وفي حلقات العلم ويشرحون للناس خطر التتار، ويذكرونهم بمصيبة المسلمين في البلاد المنكوبة بالتتار، والحكام الذين يجهزون الشعوب ليوم لا محالة هو آت فلا وجود لهم في ذلك الزمان.
فخبر التتار وأحداثهم لم تكن مشتهرة في ذلك الوقت، ولذلك اختفى ذكرها من كتب التاريخ.
وهكذا كانت أحداث ذلك الزمان تشير جميعها إلى أن اجتياحًا تتريًا جديدًا سوف يحدث قريبًا جدًا على غرار الاجتياح التتري الأول الذي حدث في زمان جنكيز خان أو الاجتياح التتري الثاني الذي حدث في زمان أوكيتاي، ولعله يكون أشد وأنكى؛ لأنه كلما ازداد خنوع المسلمين ازداد طمع التتار وغيرهم فيهم، وكلما فرط المسلمون في شيء طمع أعداء الأمة في هذا الشيء وفي الذي يليه، وهذه سنة ثابتة لأهل الباطل.
4 / 8