الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة
الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة
Издатель
بدون
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٣٨٨ هـ
Жанры
الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين
Неизвестная страница
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد لله وحده. قرئ عليَّ هذا الكتاب الموسوم بالصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة فوجدت ما أبداه مؤلفه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري من الرد على من زعم أن الأرض تدور وأن الشمس لا تجري هو عين الصواب.
قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
في ٢٠/ ٨ سنة ١٣٨٧.
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين. والعاقبة للمتقين. ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليمًا كثيرًا ..
أما بعد فقد رأيت مقالًا لمحمد محمود الصواف. نشر في ثلاثة أعداد من جريدة الدعوة. عدد ٥٤ و٥٥ و٥٦ العدد الأول في ١٠ صفر سنة ١٣٨٦ هـ والثاني في ١٧ منه. والثالث في ٢٤ منه. وقد عارض الصواف بمقاله هذا ما قرره الشيخ الفاضل عبد العزيز بن عبد الله بن باز من جريان الشمس وسكون الأرض وثباتها. وما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز هو الحق والصواب. وما قاله الصواف هو الباطل والضلال البعيد. وليس تعقب الصواف مقصورًا على الشيخ عبد العزيز بن باز فحسب. بل هو والعياذ بالله معارضة للآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة الدالة على جريان الشمس وعدم استقرارها كما سأذكره إن شاء الله تعالى وقد رأيت أن أكتب على كلامه ما تيسر تحقيقًا للحق ونصحًا للخلق. سائلًا من المولى ﷻ أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
فصل
وأول من قال إن الشمس هي المركز الثابت الذي تدور عليه السيارات من الكواكب وإن الأرض من جملة الكواكب السيارة التي تدور على الشمس هو فيثاغورس الفيلسوف
1 / 7
اليوناني وكان زمانه قبل زمان المسيح بنحو من خمسمائة سنة. وقيل ستمائة. وذهب كبير الفلاسفة ومقدمهم بطليموس - وكان زمانه قبل المسيح بنحو مائة وخمسين سنة - إلى أن الأرض هي المركز الثابت وإن الشمس والقمر وسائر الكواكب تدور على الأرض. وأهل الهيئة القديمة يقولون بهذا القول وهو الحق الذي تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة وأقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأما قول فيثاغورس فكان مهجورًا نحو من ألف وثمانمائة سنة حتى ظهر الفلكي البولوني «كوبرنيك» في القرن العاشر من الهجرة فقرر رأي فيثاغورس وأيده بالأدلة الرياضية. ولما كان في أثناء القرن الثاني عشر من الهجرة ظهر هرشل الإنكليزي وأتباعه من فلاسفة الإفرنج أصحاب الرصد والزيج الجديد فنصروا قول فيثاغورس وردوا ما خالفه وشاع قولهم منذ زمانهم إلى زماننا هذا وتلقاه كثير من المسلمين بالقبول تقليدًا لأعداء الله تعالى. وذلك بسبب سيطرة الإنجليز وبعض الدول الأوربية على كثير من بلاد الإسلام في آخر القرن الثالث عشر من الهجرة وأكثر القرن الرابع عشر. فامتزج أهل تلك البلاد بأعداء الله تعالى امتزاجًا تامًا.
وظهر النشء منهم متثقفين بالثقافة الإفرنجية يحذون حذو أعداء الله تعالى في هيئاتهم وأنظمتهم وقوانينهم ويسارعون إلى قبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم. ويتمسكون بها أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة. وكثير منهم كانوا يسافرون إلى الجامعات الأوربية ويتروون من تعاليمها الآجنة المسمومة عللًا بعد نهل حتى فشت فيهم الزندقة والإلحاد والاستخفاف بشأن القرآن العظيم فكان كثير منهم يحملونه على ما يوافق آراء الإفرنج وأقوالهم الباطلة كما هو موجود في كثير من مصنفاتهم فأدخلوا بذلك على المسلمين شرًا كثيرًا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهؤلاء الذين ذكرنا من فلاسفة الإفرنج وهم كوبرنيك وهرشل وأتباعهما يقال لهم أهل الهيئة الجديدة.
قال محمود شكري الألوسي في مقدمة كتابه الذي سماه «ما دل عليه القرآن. مما يعضد الهيئة الجديدة» قد شاع في عصرنا قول فيثاغورس الفيلسوف الشهير في هيئة الأفلاك ونصره الفلاسفة المتأخرون بعد أن كان عاطلًا مهجورًا وهو القول بحركة الأرض اليومية والسنوية على الشمس وأنها هي مركز نظامها وأن الأرض إحدى الكواكب
1 / 8
السيارة وأنها سابحة في الجو معلقة بسلاسل الجاذبية وقائمة بها كسائر الكواكب. لا أنها كما ذهب إليه بطليموس في الأفلاك كالمسامير في الباب. قال وقد سماها الفلاسفة المتأخرون الهيئة الجديدة لكونها شاعت في العصر المتأخر وإلا فالقول بها متقدم جدًا.
وذكر الألوسي أيضًا في صفحة ٢٣ أن المتأخرين ممن انتظم في سلك الفلاسفة كهرشل وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز. والأرض وكذا النجوم دائرة حولها. وذكر الألوسي أيضًا في صفحة ٢٩ ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجديد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلًا وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها.
وقال أيضًا في صفحة ٣٣ والمنجمون يقسمون النجوم إلى ثوابت وسيارات والسيارات عند المتقدمين سبع بإجماعهم. وعند المنجمين اليوم وهم أهل الهيئة الجديدة أن الشمس في وسط الكواكب التي تدور حولها وأنها أعظم من الأرض بألف ألف مرة وثلثمائة وثمانية وعشرين ألف مرة وأن لها حركة على نفسها. وقد استنبط بعض علمائهم من تحول كلفها الذي يظهر على ظهرها ورجوعه في أزمنة مخصوصة أنها تدور على نفسها في خمسة وعشرين يومًا واثنتي عشرة ساعة. وجزموا بأن ليس لها حركة حول الأرض بل للأرض حركة حولها وأن الأرض إحدى السيارات وهي عندهم عطارد والزهرة والأرض والمريخ ووسنة وقد كشفها رجل منهم يقال له «اولبوس» في حدود سنة ثلاث وعشرين ومئتين وألف للهجرة (ونبتون) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هاردنق» في حدود سنة عشرين ومئتين وألف للهجرة (وسيرس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «بياظي» في حدود سنة ست عشرة ومئتين وألف للهجرة (وبلاس) وقد كشفها «اولبوس» أيضًا في حدود سنة سبع عشرة ومئتين وألف. والمشتري وزحل (وأورانوس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هرشل» في حدود سنة سبع وتسعين ومائة وألف للهجرة. ولم يعدوا القمر من السيارات بل من سيارات السيارات لأنه يدور حول الأرض ودورانها حول الشمس. وهو عندهم دون عظم الأرض بتسع وأربعين مرة. وزعموا أن بُعد الشمس عن الأرض أربعة وثلاثون ألف ألف فرسخ فرنسي وهو المقدر بمسافة ساعة وخمسمائة ألف فرسخ ومع هذا يصل نورها إلينا في مدة ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية. وأن البعد الأبعد للقمر عنها أحد وتسعون
1 / 9
ألفًا وأربع مائة وخمسون فرسخًا. والبعد الأقرب له ثمانون ألفًا ومائة وخمسة فراسخ فيكون البعد الأوسط نحو ستة وثمانين ألف فرسخ.
وكانوا يزعمون من قبل أن ليس للشمس حركة على كوكب آخر وإنما لها حركة على نفسها فقط ثم أدركوا أن لها حركة على كوكب من كواكب الثريا وجوزوا أن يكون لذلك الكوكب حركة على كوكب آخر أبعد منه وهكذا إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى فإن سعة الجو غير متناهية عندهم وفيه من الكواكب ما لا يتناهى أيضًا - إلى أن قال - ولهم تقسيمات أخر باعتبارات أُخر بنوا عليها ما بنوا ولا يكاد يسلم لهم إلا ما لم يلزم منه محذور في الدين انتهى.
وإذا علم ما ذكرنا ههنا عن أهل الهيئة الجديدة الذين من أولهم كوبرنيك البولوني في القرن العاشر وهرشل الإنكليزي وأتباعه في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة وأن أصله مأخوذ عن فيثاغورس اليوناني فليعلم أيضًا أن قولهم في سكون الشمس ودوران الأرض عليها قول باطل معلوم البطلان عند كل من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان. والأدلة على بطلانه كثيرة جدًا. وأنا أذكر ههنا ما تيسر من ذلك وبالله المستعان.
فأما الأدلة من القرآن ففي اثنين وعشرين موضعًا منه وقد قال الله تعالى (ولا ينبئك مثل خبير) قال قتادة يعني نفسه ﵎:
الدليل الأول قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) قال الراغب الأصفهاني الجري المر السريع. وقال الجوهري الجارية الشمس والجارية السفينة. وقال ابن منظور في لسان العرب جرت الشمس وسائر النجوم سارت من المشرق إلى المغرب. والجارية الشمس سميت بذلك لجريها من القطر إلى القطر.
ثم ذكر عن صاحب التهذيب أنه قال الجارية عين الشمس في السماء قال الله ﷿ (والشمس تجري لمستقر لها) والجارية الريح قال الشاعر: ...
فيومًا تراني في الفريق معقلًا ... ويومًا أباري في الرياح الجواريا
وقوله تعالى (فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس) يعني النجوم. وجرت السفينة جريًا كذلك. والجارية السفينة صفة غالبة. وفي التنزيل (حملناكم في الجارية) وفيه (وله الجوار المنشئات في البحر) وقوله ﷿ (بسم الله مجراها ومرساها)
1 / 10
ثم ذكر عن الليث أنه قال الخيل تجري والرياح تجري والشمس تجري جريًا إلا الماء فإنه يجري جريه أي بكسر الجيم والجراء للخيل خاصة وأنشد:
غمر الجراء إذا قصرت عنانه ... . . . . . . . . . . .
وفرس ذو أجاري أي ذو فنون في الجري انتهى وقد ذكر الله تعالى عن السفن والرياح نظير ما ذكره عن الشمس من المر السريع فقال تعالى (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) وقال تعالى (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم. وهي تجري بهم في موج كالجبال) الآية. وقال تعالى (وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري بأعيننا) الآية. وقال تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) الآية وقال تعالى (فالجاريات يسرًا) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى. وقرأ ابن مسعود وابن عباس ﵃ (والشمس تجري لا مستقر لها) قال البغوي أي لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبدًا. وقال القرطبي أي أنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار إلى أن يكورها الله يوم القيامة. وقال ابن كثير أي لا قرار لها ولا سكون بل هي سائرة ليلًا ونهارًا لا تفتر ولا تقف كما قال ﵎ (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى. وكفى بهذه الآية حجة على إبطال ما يزعمه كوبرنيك وهرشل وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويأخذ بأقوالهم من المسلمين.
الدليل الثاني قوله تعالى في سورة الرعد (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) الآية.
الدليل الثالث قوله تعالى في سورة لقمان (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير).
الدليل الرابع قوله تعالى في سورة فاطر (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك) الآية.
1 / 11
الدليل الخامس قوله تعالى في سورة الزمر (خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).
ففي هذه الآيات كلها النص على جريان الشمس والقمر والرد على من قال أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلًا وأنها مركز العالم.
قال الراغب الأصفهاني قوله يكور الليل إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما انتهى.
الدليل السادس قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون).
الدليل السابع قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون).
قال الراغب الأصفهاني السبح المر السريع في الماء وفي الهواء يقال سبح سبحًا وسباحة واستعير لمر النجوم في الفلك نحو (وكل في فلك يسبحون) ولجري الفرس نحو (فالسابحات سبحا) ولسرعة الذهاب في العمل نحو (إن لك في النهار سبحًا طويلا) انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى قوله (وكل في فلك يسبحون) يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني.
قال ابن عباس ﵄ وغير واحد من السلف في فلكة كفلكة المغزل. وقال مجاهد الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به انتهى.
وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال في فلكة مثل فلكة المغزل.
وروى أيضًا من طريق عكرمة عن ابن عباس ﵄ في قوله (يسبحون) قال يدورون في أبواب السماء كما يدور المغزل في الفلكة.
1 / 12
وروى أيضًا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﵄ قوله (في فلك) يقول دوران. وقوله يسبحون يعني يجرون.
وروى أيضًا من طريق عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول (وكل في فلك يسبحون) قال النجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل. وقال مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه وكان مجاهد يفسر قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) بهذا. قال مجاهد ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلا بالحسبان. قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا يدوم إلا بهن قال فنقر لي بإصبعه قال فقال مجاهد يد من كذلك كما نقر قال فالحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله لا تدوم إلا به أي لا تدور إلا به ومنه الدوامة بالضم والتشديد وهي فلكة يرميها الصبي بخيط فتدوم على الأرض أي تدور ومنه تدويم الطير وهو تحليقه ودورانه في طيرانه ليرتفع إلى السماء. وقوله نقر بإصبعه يعني نقر بها في الأرض وأدارها ليشبه بذلك دوران الفلك انتهى.
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال يعني استدارتهم.
وروى أيضًا عن الضحاك في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال يدور ويذهب.
وروى أيضًا عنه قال الفلك السرعة والجري في الاستدارة ويسبحون يعملون.
وقال البغوي في تفسيره (كل في فلك يسبحون) يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. وإنما قال يسبحون ولم يقل تسبح على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء من الجري والسبح فذكر على ما يعقل.
والفلك مدار النجوم الذي يضمها، والفلك في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل. وقال الحسن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل.
يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة. قال الضحاك فلكها مجراها وسرعة سيرها. قال مجاهد كهيئة حديد الرحى. وقال بعضهم الفلك السماء الذي فيه
1 / 13
ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه وهو معنى قول قتادة. وقال الكلبي الفلك استدارة السماء انتهى.
وفي الآيتين اللتين ذكرنا من سورة الأنبياء وسورة يس رد على أهل الهيئة الجديدة الذين ينكرون جريان الشمس ويزعمون أنها ثابتة لا تتحرك.
الدليل الثامن قوله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار).
قال الراغب الأصفهاني الدأب إدامة السير دأب في السير دأبًا. قال (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين).
وقال ابن منظور في لسان العرب الدؤب المبالغة في السير وأدأب الرجل الدابة إدآبًا إذا أتعبها.
وقال ابن كثير في تفسيره (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) أي يسيران لا يفتران ليلًا ولا نهارًا. وقال في موضع آخر أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى.
وقال القرطبي: الدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية. وقيل دائبين في السير امتثالًا لأمر الله والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران انتهى؟
وكفى بهذه الآية حجة على من أنكر جريان الشمس من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم من جهال المسلمين.
وفي قوله تعالى (وسخر لكم) دليل على أن الشمس والقمر يجريان ويدوران على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم ولهذا امتن الله عليهم بذلك في هذه الآية وفي غيرها من الآيات التي سيأتي ذكرها. وكذلك امتن عليهم بذلك في قوله تعالى (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون).
الدليل التاسع قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
1 / 14
ووجه الاستدلال بهذه الآية على سير الشمس أنه ﷾ أخبر أن الليل يطلب النهار طلبًا حثيثًا أي سريعًا. والنهار هو ضوء الشمس وهو تابع لها يسير بسيرها فدل على أنها تسير دائمًا ولا تستقر.
وفي الآية دليل آخر على سير الشمس وهو قوله تعالى (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) فإن التسخير المذكور ههنا هو تسخيرها تجري لمصالح العباد كما نص الله ﵎ على ذلك في قوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) وقوله تعالى في الآيات الأربع التي تقدم ذكرها (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى).
الدليل العاشر قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون).
الدليل الحادي عشر قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) والمعنى في هذه الآيات الثلاث واحد وهو أن الله ﷾ سخر الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وجعلها تجري دائمًا على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم فتبارك الله رب العالمين الذي سخر لعباده ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه.
الدليل الثاني عشر قوله تعالى (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين).
وهذه الآية من أوضح الأدلة على سير الشمس ودورانها على الأرض وأن الله تعالى سخرها تأتي من المشرق كل يوم وتذهب نحو المغرب. ولو كانت قارة لا تزول عن مكانها كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان الإخبار عن الإتيان بها من المشرق لغوًا لا معنى له ولا فائدة في ذكره ولكان ينبغي أن يقول إبراهيم ﵊ لخصمه إن الله يأتي بالأرض من المغرب فأت بها من المشرق. فقاتل الله أهل الهيئة الجديدة الذين قلبوا الحقيقة وعكسوا القضية بلا برهان بل بمجرد الظن والحسبان. وإنه لينطبق عليهم قول الله تعالى في أشباههم من المتخرصين (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا. فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة
1 / 15
الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى).
الدليل الثالث عشر قوله تعالى (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون) والبزوغ الطلوع والأفول الغيبوبة.
وهذه الآية من أوضح الأدلة على سير الشمس ودورانها على الأرض. وقد ذكر الله تعالى عن القمر من البزوغ والأفول نظير ما ذكر عن الشمس. وذكر أيضًا عن الكوكب من الأفول نظير ما ذكره عن الشمس والقمر فأثبت المسلمون ما أثبته الله للكل من السير والدوران حول الأرض وأثبت ذلك أيضًا أهل الهيئة القديمة. وخالف في بعض ذلك كوبرنيك وهرشل وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين فأثبتوا للقمر السير والدوران على الأرض وأثبتوا للكواكب السيارة السير والدوران على الشمس ونفوا عن الشمس السير بالكلية ولازم ذلك نفي ما أثبته الله تعالى لها من البزوغ والأفول وذلك كفر لا شك فيه لما فيه من تكذيب ما أخبر الله به في كتابه.
ومن أثبت السير والبزوغ والأفول للقمر لزمه أن يثبت ذلك للشمس وإن لم يفعل فقد فرق بين متماثلين وآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض. وقد قال الله تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون).
الدليل الرابع عشر قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) الآية.
وقد فسر الدلوك بزوال الشمس عن وسط السماء وفسر بغروبها وكلاهما يدل على سير الشمس.
قال البغوي أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت انتهى.
الدليل الخامس عشر قوله تعالى (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) الآية.
قال ابن عباس ﵄ وسعيد بن جبير وقتادة وزيد بن أسلم تزاور أي تميل.
الدليل السادس عشر قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) الآية.
1 / 16
الدليل السابع عشر قوله تعالى (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترًا).
الدليل الثامن عشر قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) الآية.
الدليل التاسع عشر قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب).
ووجه الاستدلال بهذه الآية والآيات الست قبلها أن الله ﷾ أضاف الطلوع والغروب والدلوك والتزاور إلى الشمس فدل على أنها هي التي تسير وتدور على الأرض فتطلع عليها من ناحية المشرق وتزول إذا توسطت السماء وتغرب من الناحية الأخرى.
ولو كانت الشمس قارة ساكنة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم لكانت إضافة هذه الأشياء إليها لغوًا لا معنى له ولا فائدة في ذكره. ولا يخفى أن هذا من لوازم القول باستقرار الشمس وثباتها وهو قول وخيم لا يصدر من أحد يؤمن بالله وكتابه.
الدليل العشرون قوله تعالى (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) وفي هذه الآية دليل على أن الشمس تسير والقمر يتلوها تابعًا لها. قال ابن عباس ﵄ تلاها تبعها رواه ابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وكذا قال مجاهد تلاها تبعها.
وعن ابن عباس ﵄ أنه قال يتلو النهار. وقال قتادة إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال. وقال ابن زيد هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر.
الدليل الحادي والعشرون قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان).
الدليل الثاني والعشرون قوله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا ذلك تقدير العزيز العليم) وقد تقدم قريبًا قول مجاهد إن ذلك كحسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه. قال ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلا بالحسبان. قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا
1 / 17
يدوم إلا بهن. قال والحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل رواه ابن أبي حاتم. وذكره البخاري في صحيحه مختصرًا فقال وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري مراده أنهما يجريان على حسب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها.
وقيل الحسبان مصدر كالحساب أي جعل الشمس والقمر يجريان بحساب مقدر معلوم لا يجاوزانه في منازل لا يعدوانها. قال ابن عباس ﵄ (الشمس والقمر بحسبان) قال بحساب ومنازل رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. ولا منافاة بين القولين فإن الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل في فلك مستدير كاستدارة الرحى والله أعلم.
وقد قرن الله ﵎ وهو العليم الخبير - بين الشمس والقمر في أكثر هذه المواضع التي ذكرنا وأخبر أن كلًا منهما يجري ويسبح في الفلك فاعترف أهل الهيئة الجديدة بذلك في القمر وأنكروه في الشمس فكان مثلهم في ذلك مثل اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وليس لهم على التفريق دليل أبدًا إلا أن يكون من التخرصات الكاذبة والتوهمات الفاسدة. ونقول لهم ما أمر الله نبيه محمدًا ﷺ أن يقوله لسلفهم (قل أأنتم أعلم أم الله).
فصل
وأما دلالة السنة على جريان الشمس ففي أحاديث كثيرة نذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى.
الحديث الأول عن أبي ذر ﵁ قال قال رسول الله ﷺ لأبي ذر حين غربت الشمس «تدري أين تذهب» قلت الله ورسوله أعلم قال «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها» فذلك قول الله تعالى (والشمس
1 / 18
تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) متفق عليه واللفظ للبخاري ورواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي بنحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
قال وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس وأبي موسى انتهى وفي رواية لمسلم أن رسول الله ﷺ قال يومًا «أتدرون أين تذهب هذه الشمس» قالوا الله ورسوله أعلم قال «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع تصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئًا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله ﷺ «أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا».
وفي هذا الحديث الصحيح أوضح دليل على أن الشمس تجري وتدور على الأرض، وفيه رد على أهل الهيئة الجديدة الذين يزعمون أن الشمس ثابتة لا تجري ولا تتحرك.
الحديث الثاني عن أبي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها ولا أحد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر ولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبًا من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه» الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
الحديث الثالث عن أبي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس» رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وهذا الحديث والذي قبله من أقوى الأدلة على سير الشمس ولهذا قال لها يوشع بن
1 / 19
نون إنك مأمورة وأنا مأمور ثم دعا الله تعالى أن يحبسها عليه فحبست فهذا نص صريح في أن الشمس هي التي تسير وتدور على الأرض.
ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان ينبغي ليوشع بن نون أن يخاطب الأرض ويدعو الله تعالى أن يحبسها عليه. وعلى قولهم يكون خطاب يوشع للشمس خطأ ودعاؤه بأن تحبس عليه لغوًا، وإخبار النبي ﷺ بذلك مقررًا له خلاف الصواب. هذا مقتضى قولهم الباطل وهو مما ينزه عنه آحاد العقلاء فضلًا عن أنبياء الله المعصومين فقاتل الله أهل الهيئة الجديدة أنى يؤفكون.
الحديث الرابع عن جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ «أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار». رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي وإسناده حسن. وفيه دليل على جريان الشمس. وفيه أيضًا الرد على أهل الهيئة الجديدة الذين يزعمون أن الشمس لا تجري ولا تتحرك.
الحديث الخامس عن ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ صدق أمية في شيء من شعره فقال:
رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد
فقال النبي ﷺ «صدق» وقال:
والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورد
تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبة وإلا تُجْلَد
فقال النبي ﷺ «صدق» رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله في زوائد المسند وفي كتاب السنة وابن خزيمة في كتاب التوحيد وأبو يعلى والطبراني ورواته ثقات.
وفي بعض طرقه عند ابن خزيمة تصريح محمد بن إسحاق أن شيخه حدثه بذلك فزال ما يخشى من تدليسه.
قال ابن خزيمة قوله وإلا تجلد معناه اطلعي كما قال ابن عباس ﵄.
قلت قول ابن عباس ﵄ الذي أشار إليه ابن خزيمة هو ما رواه أبو بكر ابن الأنباري في كتاب المصاحف بإسناده عن عكرمة قال قلت لابن عباس ﵄ أرأيت ما جاء عن النبي ﷺ في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر
1 / 20
قلبه فقال هو حق فما أنكرتم من ذلك قلت قوله في الشمس إلا معذبة وإلا تجلد فقال والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك عن الله ﷿ يأمرها بالطلوع فتشتعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها.
وروى أبو نعيم في الحلية من طريق الأوزاعي عن عبدة - يعني ابن أبي لبابة - قال ما ظهرت الشمس قط حتى تضرب مرة أو مرتين حتى تجذب جذبًا تقول إني أعبد من دون الله.
الحديث السادس عن ابن عمر ﵄ قال قال رسول الله ﷺ «إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب» متفق عليه.
الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه.
الحديث الثامن عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس» رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وإسناده صحيح.
الحديث التاسع عن عبد الله الصنابحي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها» رواه مالك والشافعي وأحمد والنسائي بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين.
الحديث العاشر عن عمرو بن عبسة السلمي ﵁ قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال «جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل
1 / 21
الرمح ظله ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وهذا لفظه والنسائي والترمذي مختصرًا وقال هذا حديث حسن صحيح غريب.
وفي إضافة الطلوع والارتفاع والزوال والدنو والغروب إلى الشمس دليل على أنها تجري وتدور على الأرض. ولو كانت ثابتة في موضعها كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان ينبغي أن تجعل هذه الأفعال للأرض وهذا لا يقوله عاقل.
والأحاديث التي فيها ذكر طلوع الشمس وزوالها وغروبها وطلوعها في آخر الزمان من مغربها كثيرة جدًا وفيما ذكرته ههنا كفاية لمن أراد الله هدايته. ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
وقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس ﵄ أنه قال الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها قال وكذلك القمر.
فصل
وإذا علم أن جريان الشمس ثابت بالدلائل القطعية من نصوص الكتاب والسنة فليعلم أيضًا أنه ثابت بالمشاهدة من سيرها في البروج والمنازل كما يسير القمر وسائر الكواكب السيارة فيها ففي أول برج الحمل تكون الشمس سائرة في خط الاستواء وحينئذ يكون بينها وبين كل من القطبين تسعون درجة، ثم تميل بعد ذلك شيئًا فشيئًا إلى جهة القطب الشمالي وينتهي بعدها عن خط الاستواء في أول برج السرطان وذلك نحو من ثلاث وعشرين درجة وحينئذ يكون بينها وبين القطب الشمالي سبع وستون درجة وبينها وبين القطب الجنوبي مائة وثلاث عشرة درجة، ثم ترجع شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى خط الاستواء في أول برج الميزان وحينئذ يكون بينها وبين كل من القطبين تسعون درجة.
ثم تميل بعد ذلك شيئًا فشيئًا إلى جهة القطب الجنوبي وينتهي بعدها عن خط الاستواء في
1 / 22
أول برج الجدي وذلك نحو من ثلاث وعشرين درجة وحينئذ يكون بينها وبين القطب الجنوبي سبع وستون درجة وبينها وبين القطب الشمالي مائة وثلاث عشرة درجة. ثم ترجع شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى خط الاستواء في أول برج الحمل. وهكذا هي سائرة على الدوام. ولها في كل ثلاثة عشر يومًا منزلة من المنازل الثمان والعشرين تقارنها في مسيرها ثم تتخلف عنها وتقارن التي تليها وهكذا هي على الدوام. وأما القمر فله في كل يوم وليلة منزلة من المنازل يقارنها في مسيره.
ولو كانت الشمس ساكنة ثابتة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كانت تدور على البروج والمنازل وتكون في خط الاستواء تارة وتميل نحو الشمال تارة ونحو الجنوب تارة وتقرب من القطب الشمالي في الصيف وتبعد عنه في الشتاء وتقرب من القطب الجنوبي في الشتاء وتبعد عنه في الصيف وتتوسط بين القطبين في فصلي الربيع والخريف.
وسيرها في البروج والمنازل وميلها نحو الجنوب في الشتاء ونحو الشمال في الصيف ورجوعها إلى خط الاستواء في فصلي الربيع والخريف معلوم عند كل عاقل ولا ينكره إلا من هو ذاهب العقل أو معاند يكابر في المحسوسات ويباهت في الضروريات.
وقد تقدم قول ابن عباس ﵄ في قوله تعالى (بحسبان) قال بحساب ومنازل رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
فصل
في ذكر الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها. فأما الأدلة من القرآن ففي عدة آيات.
الآية الأولى قوله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا. ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورًا).
وهذه الآية من أوضح الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت تزول من مكان إلى مكان وهذا خلاف نص الآية الكريمة.
الآية الثانية قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره).
1 / 23
قال البغوي قال ابن مسعود ﵁ قامتا على غير عمد بأمره. وقال ابن كثير على قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب ﵁ إذا اجتهد في اليمين قال والذي تقوم السماء والأرض بأمره. أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها.
وقال ابن منظور في لسان العرب ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات يقال للماشي قف لي أي تحبس مكانك حتى آتيك وكذلك قم لي بمعنى قف لي وعليه فسروا قوله سبحانه (وإذا أظلم عليهم قاموا) قال أهل اللغة والتفسير قاموا هنا بمعنى وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين. ومنه التوقف في الأمر وهو الوقوف عنده من غير مجاوزة له، قال ومنه قامت الدابة إذا وقفت عن السير وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح ومنه قولهم أقام بالمكان هو بمعنى الثبات، ويقال قام الماء إذا ثبت متحيرًا لا يجد منفذًا وإذا جمد أيضًا.
قلت ومنه قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فمعناه الوقوف والثبات وعدم الحركة والدوران والله أعلم.
الآية الثالثة قوله تعالى في سورة المؤمن (الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا والسماء بناء) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى أي جعلها لكم مستقرًا بساطًا مهادًا تعيشون عليها وتتصرفون فيها وتمشون في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم (والسماء بناء) أي سقفًا للعالم محفوظًا.
الآية الرابعة قوله تعالى في سورة النمل (أم من جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى يقول (أم من جعل الأرض قرارًا) أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها وترجف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطًا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك كما قال تعالى في الآية الأخرى (الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا والسماء بناء) وقال البغوي قرارًا لا تميد بأهلها قلت والقرار معناه في لغة العرب الثبات والسكون قال في القاموس وشرحه قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قرارًا وقرورًا وقرا وتقرة ثبت
1 / 24