173

التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون

التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون

Издатель

(المؤلف)

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م

Жанры

أن يوصل بقطيعة الرّحم والقرابة). وفي التنزيل: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: ٢٢].
واختاره ابن جرير وقال: (وإنما عنى بالرّحم، أهلَ الرحم الذين جمعتهم وإياهُ رحِمُ والدة واحدة. وقطعُ ذلك: ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها، وأوجبَ من برِّها. ووصْلُها: أداء الواجب لها إليها من حقوق الله التي أوجب لها، والتعطفُ عليها بما يحقُّ التعطف به عليها).
الثاني: قيل أمر أن يوصل القول بالعمل، فقطعوا بينهما بأن قالوا ولم يعملوا.
الثالث: قيل أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب بعضهم.
الرابع: قيل بل المراد أعم من ذلك، فكل ما أمر الله بوصله وفعله قطعوه وتركوه.
وتأولوا ذلك بأن الله ذمهم بقطعهم رسول الله ﷺ والمؤمنين وأرحامهم.
ومن ثم فالآية عامة في وصل وإحكام الصلة بدين الله وعبادته في الأرض وإقامة شرائعه وحفظ حدوده. قال القرطبي: (هذا قول الجمهور، والرَّحم جزء من هذا).
قلت: ولا شك أن القول الرابع بشمل كل ما سبق، فالآية عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل. و﴿مَا﴾ في محل نصب بـ ﴿وَيَقْطَعُونَ﴾ و﴿أَنْ﴾ بدل من ما أو من الهاء في ﴿بِهِ﴾ أي بوصله، أو في موضع رفع والتقدير: هو أن يوصل.
وقوله: ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.
قال القرطبي: (أي يعبدون غير الله تعالى ويجورون، في الأفعال، إذ هي بحسب شهواتهم، وهذا غاية الفساد). وقال النسفي: (بقطع السبيل والتعويق عن الإيمان).
وقال القاسمي: ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالمنع عن الإيمان، والاستهزاء بالحق، وقطع الوُصَل التي بها نظام العالم وصلاحه).
وقوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
قال ابن عباس: (كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل "خاسر" فإنما يعني به الكفر. وما نسبه إلى أهل الإسلام، فإنما يعني به الذنب).
والخاسر في لغة العرب: من خسر الشيء إذا نقصه، فهو الذي نقص نفسه حَظَّها

1 / 175