267

Риторическая система между теорией и практикой

النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق

Издатель

دار الطباعة المحمدية القاهرة

Издание

الأولى ١٤٠٣ هـ

Год публикации

١٩٨٣ م

Место издания

مصر

Регионы
Египет
فالمعنى الحقيقي للنكرة هو: الإفراد أو النوعية - كما رأيت مما أسلفنا لك من أمثلة.
ولكنها قد تخرج إلى معان أخرى مجازية تفهم من سياق الكلام، كالتعظيم، والتحقير، والتكثير، والتقليل، والنص الأدبي - شعرًا كان أو نثرًا - زاخر بما يورده الشعراء أو الأدباء من نكرات قصدوا بها معاني تدل عليها سياقات الكلام، ودلالات الأحوال:
اقرأ - إن شئت - قول الله تعالى: "ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ" نجد أنه قد نكر المسند إليه لتعظيمه، أي: ولكم في القصاص حياة عظيمة، لأنهم كانوا - في الجاهلية - لا يكتفون بقتل القاتل. بل كانوا يشفعونه بقتل جماعة من عشيرته تشفيًا، فيبعثون بذلك ثارات أخرى تقوم من أجلها حروب بين العشيرتين وقد تنضم إلى هؤلاء وأولئك قبائل أخرى تبعث ثارات جديدة، فتكثر القتلى، ويزداد سفك الدماء فكان في القصاص حقن لدماء هؤلاء جميعًا.
ولهذا كانت الحياة النابعة من القصاص حياة عظيمة، وأي حياة أعظم من حياة كهذه؟ !
ثم اقرأ قول الله تعالى: "ولَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ (١) " نجد أنه قد نكر المسند إليه - وهو نفحة - لتحقيره، أي نفحة قليلة ضئيلة.
واقرأ قول الله تعالى: "إن نَّظُنُّ إلاَّ ظَنًا" تجده قد نكر غير المسند إليه لتحقيره، أي ما نظن بالساعة إلا ظنًا ضعيفًا هزيلًا.
وهكذا تجد التنكير تارة يفيد تعظيم المسند إليه، وتارة يفيد تحقيره.

(١) الأنبياء: ٤٦.

1 / 270