Положение Заката в Исламе
منزلة الزكاة في الإسلام
Издатель
مطبعة سفير
Место издания
الرياض
Жанры
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
منزلة الزكاة في الإسلام
في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم، ومنزلة، وحِكَمٌ، وأحكام، وفوائد، وشروط، ومسائل
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «منزلة الزكاة في الإسلام» بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعًا، وأنواعها، ومكانة الزكاة في الإسلام، وعِظم شأنها، وفوائدها، وحِكَمها، وحُكْمَها في الإسلام، وشروط وجوبها، وأحكام زكاة الدين، وأنواعه، وختمت ذلك بمسائل مهمة في الزكاة.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رفع الله درجاته، ونوَّر ضريحه، ورحمه رحمة واسعة.
واللهَ أسأل أن يجعل هذه الرسالة مباركة، خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفعني بها في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع بها كلَّ من اطّلع عليها، أو قرأها، أو نشرها، أو أعان على الاستفادة منها؛ فإنه ﷾ خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف: أبو عبد الرحمن
حرر ليلة الإثنين ٧/ ٣/١٤٢٥هـ
1 / 3
المبحث الأول: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعًا
الزكاة لغة: أصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث (١).
والزكاة لغة أيضًا: النماء، والزيادة، يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد (٢)، وجمع الزكاة: زكوات (٣).
والزكاة أيضًا: الصلاح، قال الله تعالى: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ (٤). قيل: صلاحًا، وقيل: خيرًا منه عملًا صالحًا. وقال تعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ
أَبَدًا﴾ (٥). أي ما صلح منكم، ﴿وَلَكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاء﴾ (٦). أي يصلح من يشاء، وقيل لما يُخرج من المال للمساكين ونحوهم: «زكاةٌ»؛ لأنه تطهير للمال، وتثمير له، وإصلاح، ونماء بالإخلاف من الله تعالى، فالزكاة طهرة للأموال، وزكاة الفطر طهرة للأبدان (٧).
والزكاة أنواع ثلاثة على النحو الآتي:
_________
(١) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الزاي مع الكاف، مادة «زكا»، ٢/ ٣٠٧، ولسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل فصل الزاي، مادة «زكا»، ١٤/ ٣٥٨.
(٢) انظر: التعريفات للجرجاني، ص ١٥٢، والمغني لابن قدامة، ٤/ ٥، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٦/ ١٧.
(٣) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص ٢٠٨.
(٤) سورة الكهف، الآية: ٨١.
(٥) سورة النور، الآية: ٢١.
(٦) سورة النور، الآية: ٢١.
(٧) لسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل، فصل الزاي، ١٤/ ٣٥٨.
1 / 4
النوع الأول: زكاة النفس، قال الله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ (١).
وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة.
النوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله ﷺ على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعًا من طعام، أو من برٍّ، أو تمر، أو شعير، أو أقط أو زبيب (٢).
النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس (٣).
والزكاة أيضًا تأتي بمعنى المدح، يقال: زكَّى نفسه إذا مدحها ووصفها وأثنى عليها، قال الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ (٤).
ويقال: زكَّى القاضي الشهود إذا مدحهم وعدَّلهم (٥).
والخلاصة أن أصل مادة: «زكا» الزيادة والنماء، وكل شيء زاد فقد زكا.
_________
(١) سورة الشمس، الآيات: ٧ - ٩.
(٢) وسيأتي إن شاء الله ذكر الأحاديث في زكاة الفطر.
(٣) انظر: الشرح المختصر على متن زاد المستقنع، للعلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، ٢/ ٢٣٦.
(٤) سورة النجم، الآية: ٣٢.
(٥) انظر: لسان العرب، لابن منظور، ١٤/ ٣٥٨ - ٣٥٩.
1 / 5
ولما كان الزرع لا ينمو إلا إذا خلص من الدغل كانت لفظة الزكاة تدل على الطهارة أيضًا.
وإذا وصف الأشخاص بالزكاة - بمعنى الصلاح - فذلك يرجع إلى زيادة الخير فيهم (١).
فالزكاة لغة: النماء والزيادة، والطهارة، والبركة (٢).
الزكاة شرعًا: حقٌّ يجب في المال (٣).
وقيل: حقٌّ واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (٤).
وقيل: إنفاق جزء معلوم من المال النامي إذا بلغ نصابًا في مصارف مخصوصة (٥).
وقيل: حصة من المال ونحوه يوجب الشرع بذلها للفقراء ونحوهم بشروط خاصة (٦).
وقيل: عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص (٧).
وقيل: نصيب مقدر شرعًا في مال معين يصرف لطائفة مخصوصة (٨).
وقيل: التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعًا، في مال معين،
_________
(١) انظر: فقه الزكاة، ليوسف القرضاوي، ١/ ٣٧.
(٢) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ٢/ ٣٠٧، ولسان العرب، لابن منظور، ١٤/ ٣٥٨.
(٣) المغني، لابن قدامة، ٤/ ٥، والشرح الكبير، ٦/ ٢٩١.
(٤) منتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، ١/ ٤٣٥، الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى الحجاوي، ١/ ٣٨٧، والروض المربع مع حاشية عبد الرحمن بن قاسم، ٣/ ١٦٤.
(٥) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص ٢٠٨.
(٦) القاموس المحيط، ص ٣٩٦.
(٧) التعريفات، للجرجاني، ص ١٥٢.
(٨) الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٦/ ١٧.
1 / 6
لطائفة أو جهة مخصوصة (١).
وقيل: حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص، ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب (٢).
وقيل: تمليك جزء من مال معين شرعًا من يستحقه من مسلم بشرط قطع المنفعة عن ذلك المال من كل وجه لله تعالى (٣).
قال الإمام الشوكاني ﵀: «الزكاة في اللغة: النماء، يقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضًا بمعنى التطهير، وترد شرعًا باعتبارين معًا، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب» (٤).
وقيل: الزكاة شرعًا: حق واجب، في مال مخصوص لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (٥).
والتعريف الذي يشمل التعريفات المتقدمة كلها: أن يقال: الزكاة شرعًا: «التعبد لله تعالى بإخراج حق واجب مخصوص شرعًا، من مال مخصوص، في وقت مخصوص، لطائفة مخصوصة، بشروط مخصوصة». والله أعلم.
_________
(١) مجموع فتاوى ورسائل محمد بن صالح العثيمين، ١٨/ ١١.
(٢) الموسوعة الفقهية، مادة زكاة، ٢٣/ ٢٢٦.
(٣) الزكاة وأحكامها، لوهبي سليمان غاوجي، ص ٢٢.
(٤) نيل الأوطار، ٣/ ٥.
(٥) الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، ٢/ ١٢٦، وإبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، لعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، ١/ ٢٧٩.
1 / 7
والزكاة الشرعية قد تسمى صدقة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ (١). وقال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (٢). وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٣). وعن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن بيَّن له فقال: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم» (٤). وفي حديث جابر وأبي سعيد ﵄ عن النبي ﷺ: «ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة» (٥).
والصدقة: هي العطية التي يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى (٦).
قال العلامة الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى: «الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوَّع به، والزكاة للواجب، وقد يسمى الواجب صدقة
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٥٨.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٤) متفق عليه: البخاري برقم ١٣٩٥، ومسلم، برقم ١٩، ويأتي تخريجه إن شاءالله تعالى.
(٥) البخاري برقم ١٤٠٥، ومسلم برقم ٩٨٠، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
(٦) التعريفات، للجرجاني، ص ١٧٣، ولغة الفقهاء لمحمد رواس، ص ٢٤٣.
1 / 8
إذا تحرَّى صاحبها الصدق في فعله» (١).
فتبين بذلك أن لفظ الصدقة نوعان:
النوع الأول: صدقة تطلق على صدقة التطوع
النوع الثاني: صدقة تطلق على صدقة الفرض، التي هي الزكاة (٢).
والعطية: هي ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه الله تعالى، أو يريد به التودد، أو غير ذلك، فهي أعم من الزكاة، والصدقة، والهبة، ونحو ذلك (٣).
_________
(١) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص ٤٨٠.
(٢) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، لسعدي أبو جيب، ص ٢٠٩.
(٣) الموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٢٢٧.
1 / 9
المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام
الزكاة فريضة عظيمة ومنزلتها من أعظم الأمور؛ لما يأتي:
١ - الزكاة: الركن الثالث من أركان الإسلام، فهي أحد مباني الإسلام؛ لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت». وفي لفظ لمسلم: «بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» (١).
٢ - الزكاة: قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، فقد جمع الله بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة في كتابه الكريم، وهذا يدل على عظم مكانتها عند الله ﷿، وعظم شأنها، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (٢).
وقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٣).
وقال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (٤).
وقال ﷿ أثناء بيانه لخصال البر وصفات المتقين: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، برقم ٨، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم ١٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٤٣.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٨٣.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١١٠.
1 / 10
الزَّكَاةَ وَالمُْوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾ (١).
وقال ﵎: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٢).
وقال جل وعلا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٣).
وقال تعالى أثناء بيانه لصفات الراسخين في العلم والمؤمنين: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (٤).
وقال سبحانه: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ (٥).
وقال ﷿: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (٦).
وقال ﵎: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ (٧).
وقال جل وعلا: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ١٧٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٧٧.
(٣) سورة النساء، الآية: ٧٧.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٦٢.
(٥) سورة المائدة، الآية: ١٢.
(٦) سورة المائدة، الآية: ٥٥.
(٧) سورة التوبة، الآية: ٥.
1 / 11
فِي الدِّينِ﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ (٢).
وقال سبحانه أثناء ذكره لصفات المؤمنين: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ﴾ (٣).
وقال سبحانه في قول عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ (٤).
وقال ﷿ في مدح إسماعيل ﵊: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (٥).
وقال ﵎ في سورة الأنبياء: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾ (٦).
وقال جل وعلا: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (٧).
وقال تعالى: ﴿النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ١١.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٨.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٧١.
(٤) سورة مريم، الآية: ٣١.
(٥) سورة مريم، الآية: ٥٥.
(٦) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(٧) سورة الحج، الآية: ٤١.
1 / 12
مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (١).
وقال سبحانه: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (٢).
وقال ﷾: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (٣).
وقال ﷿: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٤).
وقال ﵎: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٥).
وقال جل وعلا: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ﴾ (٦).
وقال تعالى: ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٧).
وقال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا الله قَرْضًا حَسَنًا﴾ (٨).
وقال ﷾: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (٩).
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٧٨.
(٢) سورة النور، الآية: ٣٧.
(٣) سورة النور، الآية: ٥٦.
(٤) سورة النمل، الآية: ٣.
(٥) سورة لقمان، الآية: ٤.
(٦) سورة الأحزاب، الآية: ٣٣.
(٧) سورة المجادلة، الآية: ١٣.
(٨) سورة المزمل، الآية: ٢٠.
(٩) سورة البينة، الآية: ٥.
1 / 13
وهذه الآيات السابقة قرنت بين الصلاة والزكاة ستًّا وعشرين مرة، كل مرة منها في آية واحدة، وتمام السابعة والعشرين مرة جاءت في سياق واحد مع الصلاة، وإن لم تكن معها في آية واحدة، هي قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ (١).
وذكرت الزكاة منفردة عن الصلاة في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم هي قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ (٤).
فهذه ثلاثون مرة ذكرت فيها الزكاة في القرآن الكريم (٥).
وقد جاءت كلمة الصدقة والصدقات في القرآن الكريم اثنتا
عشرة مرة (٦) منها قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
_________
(١) سورة المؤمنون، الآيات: ١ - ٤.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ١٥٦.
(٣) سورة الروم، الآية: ٣٩.
(٤) سورة فصلت، الآيتان: ٦ - ٧.
(٥) جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ٣٢ مرة، ولكنْ مرتان جاءت بمعنى آخر، وهما قوله تعالى: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف ٨١] وقوله: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً﴾ [مريم: ١٣] وانظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٣١ - ٣٣٢.
(٦) انظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٠٦.
1 / 14
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (١).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٢).
وقد جاءت الزكاة في القرآن بألفاظ غير ألفاظ الزكاة والصدقة كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٣).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٥).
وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على أهمية الزكاة وعظم منزلتها في الإسلام.
٣ - اعتنت سنة النبي ﷺ بالزكاة عناية دقيقة فائقة، وهذا يدل على علو شأن الزكاة ومنزلتها العظيمة في الإسلام، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في العناية بالزكاة، والأمر بإخراجها، وبيان وجوبها، وإثم تاركها، وقتال من منعها، وبيان أصناف الأموال الزكوية: من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة، والخارج من الأرض:
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٣) سورة المعارج، الآيات: ٢٣ - ٢٥.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٣٤.
(٥) سورة الحاقة، الآية: ٣٤.
1 / 15
كالثمار، والحبوب وغير ذلك: كالمعدن والركاز، وأوضحت النصب ومقاديرها، وبينت السنة أحكام الزكاة بالتفصيل، وكذلك اعتنت السنة المطهرة ببيان أصناف أهل الزكاة الثمانية، وقد ذكر الإمام ابن الأثير أكثر من مائة وعشرة أحاديث في الزكاة (١)، وهي أكثر من ذلك في المصنفات الحديثية، وهذا كله يدل على عظم شأن الزكاة وعلو منزلتها في الإسلام.
٤ - لعظم شأن الزكاة ذكرها الله تعالى في شرائع من كان قبلنا، فقال ﷾ حينما تكلم عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ (٢). وقال ﷾: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (٣). وغير ذلك من الآيات التي تقدم ذكرها آنفًا، منها قوله تعالى في قول عيسى: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ (٤).
٥ - مدح الله القائمين بها في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (٥).
_________
(١) انظر: جامع الأصول، ٤/ ٥٥٠ - ٦٦٩، من الحديث رقم ٢٦٥٥ - ٢٧٦٩.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٨٣.
(٤) سورة مريم، الآية: ٣١.
(٥) سورة مريم، الآيتان: ٥٤ - ٥٥.
1 / 16
وقال ﷾: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (١). وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
٦ - ذم الله تعالى التاركين لها، فقال ﷾: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ (٢).
٧ - تارك إطعام المساكين من المجرمين؛ لقول الله تعالى: ﴿كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ*إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ*فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين﴾ (٣).
٨ - أداء الزكاة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وقد ذكرتُ أدلة ذلك في فوائد الزكاة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
٩ - لعظم مكانة الزكاة شرعها الله تعالى زكاة مطلقة بدون أنصباء مُحدَّدة منذ العهد المكي ورغب فيها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (٤).
وذم الله تعالى من لم يحض على طعام المسكين، فبين أن عدم الحض
_________
(١) سورة النور، الآية: ٣٧.
(٢) سورة فصلت، الآيتان: ٦ - ٧.
(٣) سورة المدثر، الآيات: ٣٨ - ٤٦.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ١٤١.
1 / 17
على طعام المسكين من أسباب العذاب، فقال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ*إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٢).
وبيَّن ﷾ أن من أسباب دخول الجنة العناية بالسائل والمحروم، فقال تعالى في أوصاف أهل الجنة: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٣).
وبيَّن تعالى أن من صفات المؤمنين أن في أموالهم حقًّا معلومًا للسائل والمحروم، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٤).
وفي سورة الروم يأمر تعالى بأداء حق القريب والمسكين، وابن السبيل: ﴿فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (٥).
_________
(١) سورة الحاقة، الآيات: ٣٠ - ٣٤.
(٢) سورة الفجر، الآيتان: ١٧، ١٨.
(٣) سورة الذاريات، الآيات: ١٦ - ١٩.
(٤) سورة المعارج، الآيات: ١٩ - ٢٥.
(٥) سورة الروم، الآية: ٣٨.
1 / 18
وقال تعالى في سورة النمل وهي مكية: ﴿طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ* هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (١).
وقال سبحانه في مطلع سورة لقمان: ﴿الم* تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٢).
وغير ذلك من الآيات في العهد المكي (٣).
والزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة من القيود والشروط، والحدود، والأنصباء.
أما الزكاة التي فرضت في المدينة: فهي الزكاة ذات النصب والمقادير الخاصة، والشروط، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ (٤). «أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم، وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا دليل لمن قال: إن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة، والله أعلم» (٥). فالصواب أن الزكاة فرضت في أصح أقوال
_________
(١) سورة النمل، الآيات: ١ - ٣.
(٢) سورة لقمان، الآيات: ١ - ٤.
(٣) انظر: سورة الأعراف، الآيتان: ١٥٦، ١٥٧، وسورة فصلت، الآيتان: ٦، ٧، وسورة الشمس، الآية: ٩، وسورة الأعلى، الآية: ١٤.
(٤) سورة المزمل، الآية: ٢٠.
(٥) تفسير القرآن العظيم، ص ١٣٩٠، دار السلام.
1 / 19
أهل العلم بمكة، ولكن تقدير الأنصبة والأموال الزكوية وأهل الزكاة نزلت بالمدينة (١).
١٠ - لعظم شأن الزكاة في الإسلام اعتنى الله بها، ففرضت في السنة الثانية للهجرة: الزكاة ذات النصب والمقادير، في المدينة، وبين ﷿ أصناف أهل الزكاة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير سورة المؤمنين عند قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ (٢). «الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة» (٣). كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية: ﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (٤) (٥).
١١ - ويدل على علوِّ منزلة الزكاة أن من منعها يقاتل؛ لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم
_________
(١) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، ١٨/ ١٥.
(٢) سورة المؤمنون، الآية: ٤.
(٣) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص ٩٠٩.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ١٤١.
(٥) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص ٩٠٩، وانظر: الموسوعة الفقهية، ٣/ ٢٢٨، وفتاوى ابن عثيمين (١٧/ ١٥، والشرح الممتع (٦/ ١٥.
1 / 20
على الله» (١). ولحديث أبي هريرة ﵁ قال: لما توفي رسول الله ﷺ واستُخلفَ أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله تعالى». فقال أبو بكر: والله! لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله! ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفتُ أنه الحق». وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر ﵁ قال: «والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها» (٢).
١٢ - ومما يؤكد عظم منزلة الزكاة في الإسلام أن من جحد وجوبها كفر: إن كان مسلمًا ناشئًا ببلاد الإسلام بين أهله فإنه يكون مرتدًّا تجري عليه أحكام المرتد، ويستتاب ثلاثًا فإن تاب وإلا قتل؛ لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا تكاد تخفى على من هذه حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه: الكتاب والسنة، وكفره بهما، أما من كان جاهلًا: إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ برقم ٢٥، [التوبة: ٥]، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، برقم ٢٢.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم ١٣٩٩ ورقم ١٤٠٠، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، برقم ٢٠.
1 / 21