«إِنَّما أخذنا اللغةَ عن حَرَشةِ الضِّبابِ، وأَكَلَةِ اليَرابِيعِ، وهؤلاءِ أخذوا اللغةَ عن أَهلِ السَّوادِ أصحابِ الكَوامِيخِ وأكَلَةِ الشَّوارِيزِ» (١).
ولم يكن الرفعُ من قيمةِ الباديةِ، والحطِّ من قيمةِ الحاضرةِ مقصورًا على هؤلاءِ فقط، فهناك ما يُشيْرُ إلى التفريقِ بينهما في العصرِ الجاهلي، وهو عصر الفصاحة والسليقة، فهذا عَديُّ بن زَيدٍ العِباديِّ المتوفى قبل الهجرةِ بِخمسٍ وثلاثين سنةً (٢) لا يرى العلماء الاستشهاد بشعره (٣).
ومثله أميَّةُ بن أبي الصَّلت المتوفى في السنةِ الثامنة من الهجرة (٤)، حيث لا يَرى العلماءُ أَنَّ شِعرَهُ حُجَّةٌ (٥).
وقد حرص العلماءُ وخاصةً أهلُ البصرةِ على تَحقُّقِ صفةِ البداوة فيمن يأخذون عنه، وكان ذلك مصدر فخر واعتزاز لهم، فهذا أبو عبيدة معمر بن المثنى عندما أتاه أبو عمر الجرمي بقطعة من كتابه «مجاز القرآن»، وقال له: «من أين أخذت هذا يا أبا عبيدة؟ فإن هذا خلاف تفسير الفقهاء (٦). فقال لي: هذا تفسير الأعراب البَوَّالِيْنَ على أعقابِهم، فإن شئتَ فخذهُ، وإن شئت فَذَرْهُ» (٧).
يقول الفارابيُّ: «وبالجُملةِ فإِنَّهُ لم يُؤخَذ عن حَضريٍّ قط، ولا عن