The Phenomenon of Postponement in Islamic Thought
ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
Издатель
دار الكلمة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Жанры
نقص الإيمان بمعصية أخرى. وهي قاعدة لم تثبت من خلال موعظة في مسجد ولا محاضرة في جامعة وإنما هو موقف مهول كهذا الموقف.. ثم نطوي - كذلك - أحداثًا جسامًا ووقائع شاهدات للنتقل إلى غزوة تبوك (١) .
إنها لبادرة فجائية كبرى في تاريخ الإنسانية أن يخرج جيش من قبائل العرب ينازل الإمبراطورية الرومانية - أكبر إمبراطوريات الأرض يومئذ عتوًا وأكثرها حضارة -، إنه لحدث ما كان العرب من قبل يحلمون به، ولا كان الروم يتوقعونه ولو في الخيال!
وإن في هذا وحدة لدلالة كبرى على الطبيعة الجهادية لهذا الدين، والحقيقة الإيمانية التي يبنيها في قلوب أتباعه.
ولكن هناك دلالة أكبر من هذا وأعظم؛ ذلك أن هذه البادرة الكبرى ما هي إلا مظهر وثمرة لجهد داخلي عظيم، وخطوة على طريق هائل كبير لم يتوقف دفعة واحدة إلا على "بلاط الشهداء" وأسوار القسطنطينية.
فالجماعة المؤمنة وصلت في آفاق التزكية الإيمانية وقمم الجهاد - بكل معانيه - إلى غاية لم تبلغها قبلها جماعة قط، وهذه الغزوة تمحيص نهائي وترقية عليا لها، واستئصال جذري للطفيليات المحسوبة عليها وليست منها (٢) .
جيش قوامه ثلاثون ألفًا (٣)، لا يتخلف منه عن هذه الغزوة الشاقة المجهدة إلا ثلاثة نفر! .
ثم هؤلاء يتعرضون لمحنة رهيبة يصفها الله ﷾ بأنها وصلت إلى حد أن: «ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ» (٤) .
وتقتضي حكمة الله البالغة أن يكون هؤلاء الثلاثة من السابقين الأولين - اثنان منهما شهدا بدرًا (٥) "مرارة وهلال"، والثالث "كعب" شهد العقبة، ليكون ذلك أبلغ وأشد وقعًا في نفوس قوم ربما كانت أنفسهم قد حدثتهم بالتخلف وهم من مؤخرة القافلة.
_________
(١) طوينا الفتح وحنين لضيق المجال ولسبب منهجي مهم؛ وهو أن هاتين الغزوتين أدخلتا في الإسلام جموعًا جديدة، وليستا للتمحيص والتمييز كالحال في أحد والخندق ثم تبوك، ونحن نهتم أساسًا بمراحل البناء الإيماني في الجماعة المؤمنة نفسها.
(٢) مما يدل على ذلك أنه لم يحصل قبلها مثلما حصل فيها من عقوبة للمتخلفين وفضح للمنافقين.
(٣) هذا هو العدد الأقرب للصحة من جهة الرواية. أنظر: الفتح (٨/١٧)، ومن جهة النظر أيضًا.
(٤) [التوبة: ١١٨]
(٥) كما في حديث كعب نفسه، الفتح (٨/١١٤)
1 / 55